الإسلام في أفريقيا عبر التاريخ
صفحة 1 من اصل 1
الإسلام في أفريقيا عبر التاريخ
مقدمة
قصدت من هذا العنوان أن نقوم بجولة خاطفة نمر خلايا على بعض جوانب القارة تلك الجوانب التي تهمنا في مجال الدعوة الإسلامية لنعرف ماضي هذه القارة ولنربط ماضيها بحاضرها في الجوانب التي ذكرناها. ولكي نعرف الأدوار التي مرت على العمل الإسلامي في القارة. استنتاجا من واقع الدعوة الإسلامية هناك ابتداء من عهد النجاشي إلى الوقت الحاضر (بشكل مختصر جدا).
أقول مستعينا بالله وحده...
الإسلام في أفريقيا عبر التاريخ
قارة أفريقيا أول قارة سعدت وتنورت بنور الإسلام بعد الجزيرة العربية إذ قفز الإسلام رأسا من مكة المكرمة أول ما وفد على الجزيرة فحل في جزء من أفريقيا "الحبشة" المعروفة اليوم بأثيوبيا، وبالتحديد في "أريتريا" حل الإسلام في ذلك الجزء من أفريقيا قبل أن يعرج على أي مكان آخر حتى على المدينة المنورة دار الهجرة. وذلك عندما اشتد على نبي الرحمة وأصحابه أذى الكفار ولم يتمكنوا من عبادة ربهم بحريتهم وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة بعد أن طمأنهم بأنه يوجد في تلك الأرض ملك لا يظلم أحد بجواره وهو النجاشي رحمه الله. وهو يومئذ لا يزال على نصرانيته.
فغادر الوفد الإسلامي مكة المكرمة بعد أن ضاقت بهم شعاب مكة وجبالها بل الجزيرة كلها في طولها وعرضها فنزلوا بلد النجاشي فوجدوا الرجل كما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام، وجدوه رجلا يتمتع بحصانة العقل والتثبيت في الأمر وحسن الجوار، رجلا لا تؤثر فيه الهدايا الثمينة ولا الكلام المزخرف ولو كان محدثه أدهى رجالات العرب المعروف بمعرفة الكلام وحسن الإلقاء، وسحر البيان كعمرو بن العاص.
الإخوة الأفاضل:
إن هجرة الصحابة هذه لهجرة فريدة من نوعها، إذ لم تكن انتقالا من دار الكفر إلى دار الإسلام كما يقول بعض من يعرف الهجرة بل لم تكن انتقالا من مكان مفضول إلى مكان أفضل بل كانت من مكة المكرمة إلى أرض الحبشة بأفريقيا، والحبشة لم تكن دار إسلام بل لم يكن قد دخلها الإسلام بعد. أجل لم يحصل في تلك الهجرة هذا المعنى ولا ذلك.
لأن هدف القوم كان هو الفرار بدينهم وعقيدتهم التي عذبوا من أجلها ليجدوا مكانا يعبدون الله فيه بحريتهم دون معارض. هذا هو ما تحقق لهم عند النجاشي- بحمد الله- قبل أن يتحقق لهم عند غيره.
والذي يظهر من حال القوم ومن الظروف التي خرجوا فيها ومن سياق قصتهم أنهم كانوا لاجئين وكان يهمهم أن يجدوا أرضا يظهرون فيها شعائر دينهم ويعبدون الله ربهم بعيدين عن الضغط والاضطهاد. هذا ما يظهر من قصة القوم. ولكن الله العليم الحكيم قد بارك في تلك الرحلة الفذة فصاروا حملة الدعوة الإسلامية إلى القارة البكر أفريقيا.
وأدرك كفار قريش هذا المعنى عندما علموا أن المهاجرين قوبلوا بالإكرام والتقدير وأعطوا الحرية في دينهم فصاروا يعبدون الله ربهم دون خوف أو خفاء. من هنا داخلي الخوف بأن الإسلام السمح ربما خط له طريقا في أفريقيا ليتصل بقلوب الأفارقة الطيبة وأذهانهم الخالية- إن ترك وشأنه- ويعمل فيها عمله فيفوزوا بشرف المبادرة إلى قبول الإسلام في الوقت الذي يفوتا فيه هذا الشرف أهل مكة.
فجعلوا يفكرون ويقدرون لينظروا ما يفعلون، فبينما هم في هذا التفكير والتقدير فوجئوا يوم بدر بتلكم الهزيمة النكراء يوم أعز الله فيه الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين فازداد تفكيرهم في شأن المهاجرين فقرروا أخيرا إرسال وفد مهمته محاولة استرجاع المهاجرين إلى مكة- لو استطاعوا- وكان يرأس وفدهم رجل من أدهى رجالات العرب وأقدرهم على سحر البيان، عمرو بن العاص الغني عن التعريف.
قدم الوفد أرض الحبشة فنزل في ضيافة النجاشي وهو يحمل معه أحب الهدايا إلى ملوك الحبشة- كما يقول علماء السيرة- فبادر الوفد فور وصوله بتقديم الهدايا إلى البطارقة رجاء أن يتعاونوا معهم في التأثير في النجاشي حتى يسلم لهم المهاجرين وقد رشوا الأرض ومهدوا الطريق في زعمهم- لو صح التعبير- ولكن المفاوضة أسفرت عن نتيجة عكسية، ذلك لأنهم حاولوا أن يسلم لهم النجاشي المهاجرين قبل أن يسمع كلامهم بل بمجرد الاستماع إلى شرحهم المزخرف. ولكن النجاشي لم يوافق على هذه النقطة بل طلب حضور المهاجرين ليسمع كلامهم كما سمع كلام الآخرين وهو الأسلوب السليم الذي يقتضيه العقل والمنطق بل هو الموقف الذي لا ينتظر من النجاشي غيره وهو من عرفناه إذ هو الملك الذي لا يظلم أحد بجواره بأخبار رسول
الله عليه الصلاة والسلام ما أعظمها من منقبة. لذلك كله وعملا بمبدأ الإنصاف، وهو من الإيمان بمكان طلب النجاشي حضور المهاجرين ليسمع كلامهم. ولما وصل الوفد إلى باب الملك وقفوا عند الباب قبل أن يدخلوا تمشيا مع تعاليم الإسلام ليستأذنوا للدخول
كيف تتوقعون صورة استئذانهم أو علي الأصح كيف يتوقع وفد قريش صورة وكيفية استئذان جماعة غريبة ومستضعفة ولاجئة إلى تلك الأرض النائية إلى جوار ذلك الملك الرهيب؟ لاشك أنهم كانوا يتوقعون استئذانهم كاستئذان قوم أذلاء يدخلون مطأطئين رؤوسهم للملك راكعين على ركبتهم أو ساجدين على جباههم أمام ذلك الملك المهيب الذي صارت له عندهم بعض يد الإحسان والإكرام.
ولكن الذي حصل غير ذلك. أجل إن الذي حصل أن رئيس وفد المهاجرين جعفر بن أبى طالب وقف بالباب فصاح قائلا يستأذن عليك حزب الله فقال النجاشي مروا هذا الصائح فليعد كلامه ففعل. فقال النجاشي نعم فليدخلوا بأمان الله وذمته، فدخلوا ولم يسجدوا طبعا فقال النجاشي, ما منعكم أن تسجدوا لي؟ قال جعفر بكل هدوء وبأسلوب له تأثيره، نسجد لله الذي خلقك وملكك. ثم تابع كلامه قائلا وأما السجود لغير الله فإنما كان تحيتنا يوم كنا نعبد الأوثان. فبعث الله فينا نبيا صادقا وأمرنا بالتحية التي رضيها وهى السلام تحية أهل الجنة. فعرف النجاشي أنهم حزب الله حقا واثقون به ولا يخافون فيه لومة لائم، وأن ما يقولونه، في التوراة والإنجيل[1] .
وهذا الموقف الجريء من الوفد المحمدي هو درس للجانبين معا الجانب القرشي والجانب الأفريقي وخطاب موجه إلى قلوبهم جميعا لو كانوا يفقهون وكأن جعفرا يقول لهم إذا كان وفد قريش مغرورا بفصاحة عمرو وبلاغته وسحر بيانه وبما قدمه من الهدايا الثمينة للبطارقة كثمن لاسترجاعنا، وإذا كانا البطارقة تستضعفنا وتحاول أن تؤثر في النجاشي ملكهم ليسلمنا لعمرو بن العاص، وعلى الرغم من ذلك فنحن حزب الله العلي القدير متوكلون عليه واثقون به فلا نبالي لأنه سبحانه مولانا فنعم المولى ونعم النصير. أجل نحن حزب الله ألا إن حزب الله هم الغالبون، فوقعت خطبة جعفر هذه من النجاشي موقعها. فطلب منهم من يمثلهم في المفاوضة معه والحوار وليرد على ما زعمه وفد قريش. فقال جعفر أنا. فقال له تكلم نقدم جعفر بين يدي كلامه مقدمة تدل على حصافة عقله وأنه من الذين يعرفون أن ينزلوا الناس منازلهم، فقال، إنك ملك لا يصلح عندك كثرة الكلام والظلم، فبعد هذه المقدمة الوجيزة طلب جعفر من النجاشي أن يوجه إلى وفد قريش الأسئلة التالية:
1- أهم عبيد أم أحرار؟.
2- هل أراقوا دما فهربوا؟.
3- هل أخذوا أموال الناس فخرجوا بها؟.
فأجاب عمرو عن الأسئلة الثلاثة بالنفي أي لم يكونوا عبيدا ولا قتلة ولا سراقا. فقال النجاشي ماذا تطلبون منهم إذا؟ قال عمرو كنا وهم على دين واحد دين آبائنا فتركوا ذلك الدين واتبعوا غيره. فترى أن عمرا حصر نقطة الاختلاف بينهم في أنهم تركوا ما كان يعبد آباؤهم واتبعوا ملة أخرى جديدة ولا شيء غيرهما.
فسئل جعفر ما الدين الذي تركوه؟ وما الدين الجديد الذكر اتبعوه؟.
فبالإجابة على هذين السؤالين ينجلي الحق ويظهر ليزهق الباطل لأنه زهوق دائما في النهاية والعاقبة للمتقين.
فقال جعفر في شجاعة وثبات- كما عرفناه- أما الدين الذي كنا عليه فتركناه فهو دين الشيطان. ثم أخذ يفسره قائلا كنا نكفر بالله ونعبد الحجارة، وأما الدين الذي تحولنا إليه فهو دين الله - الإسلام- جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب عيسى بن مريم موافقا له.
فأثارت هذه العبارة الأخيرة في نفس النجاشي ما أثارت فقال تكلمت بأمر عظيم فعلى رسلك، ثم أمر بضرب الناقوس- على عاداتهم- فاجتمع إليه كل قسيس وراهب ثم تام، لهم أسألكم بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى هل تجدون بين يدي عيسى وبين القيامة نبيا مرسلا فقالوا اللهم نعم. قد بشرنا به عيسى فقال: من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي"ثم أخذ النجاشي يسأل جعفرا عما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام. وبم يأمرهم أ وعن أي شيء ينهاهم؟
فأجاب جعفر بالتفصيل الآتي قائلا: يقرأ علينا كتاب الله.
ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. ويأمر بحسن الجوار وبصلة الرحم وبر اليتيم، وبعبادة الله وحده لا شريك له، ثم أبدى النجاشي رغبته في سماع ما تيسر مما نزل على النبي محمد عليه الصلاة والسلام. فقرأ عليه جعفر شيئا من القرآن الكريم ففاضت عين النجاشي وبعض أصحابه ففيهم نزل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾[ المائدة 83.]، قاله قتادة وغير واحد من المفسرين. ثم استزاد قائلا زدنا في هذا الكلام الطيب فقرأ عليه سورة الكهف كما تقول بعض الروايات وعمرو بن العاص جالس يترقب فرصة ليتمكن أن يقول كلمة تثير النجاشي، فلما أخذ جعفر يزيد النجاشي من ذلكم الكلام الطيب من هنا وهناك وعينه تفيض من الدمع ازداد غيظ عمرو فقال ثائرا: إنهم يسبون عيسى وأمه. وكأن الله أراد أن يظهر الحق ولو بهذه الصورة على حد قوله تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة 216.] فجعل جعفر يقرأ سورة مريم كرد لما ادعاه عمرو، ولما سمع النجاشي ما جاء في عيسى وأمه أخذ عودا من الأرض فقال:"ما زاد المسيح على ما يقول هؤلاء مثل هذا مشيرا إلى العود الذي بيده. فهذا يعني منه إعلانا بإيمانه بالنبي العربي محمد عليه الصلاة والسلام بطريقة غير رسمية- طبعا- فلما تناخر بعض بطارقته الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم قال لهم النجاشي: وإن نخرتم والله، ثم قال للمهاجرين اذهبوا وأنتم آمنون بأرضي. من سبكم غرم فلا هوادة.
وتقول بعض روايات السيرة إنه قال: ما أحب أن لي دبر[2] من ذهب وأني آذيت رجلا منكم. ثم قال: ردوا عليهم هداياهم فلا حاجة لي فيها. ثم استطرد قائلا: فوالله ما أخذ الله مني رشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه فخرج الوفد القرشي فاشلا مردودا عليه ما جاء به[3]، هكذا أكرم الله النجاشي- بالإسلام وهو في أرضه إذ بارك الله في تلك الرحلة الموفقة بأنها كانت لله وحده وما كان لله دام وأثمر.
هكذا دخل الإسلام القارة الأفريقية في تلك الظروف الحرجة في وقت مبكر من ظهور الإسلام, في الوقت الذي كان يطارد فيه الإسلام في مهبطه ومكانه الأول. ذلك من فضل الله سبحانه.
تقديم
هذه الرسالة بيان لما اشتبه على بعض الناس في أمر انتشار الإسلام ودخوله قارة أفريقيا، وما دخل في روع الكثير منهم، بأن للصوفية دورهم في هذا المجال، وأن هذه حسنة من حسنات التصوف والصوفية، وأنه لولا قيام الصوفية بهذا الدور، ما عرف الإسلام قلب، أفريقيا.
ولكن المؤلف الأستاذ محمد أمان بن علي، الأستاذ بكلية الشريعة بالمدينة المنورة بجامعتها الإسلامية، يكشف لنا عن هذا الخطأ، ويبين أن الذي نشره الصوفية ما هو إلا وثنية من نوع الوثنيات التي كان عليها الأفارقة قبل غزو التصوف لهم، وإذا اختلفت وثنية التصوف في شيء من هذه الوثنية الأولى فحتما في تقنعها بقناع الإسلام اسما وشكلا، وأما هي في نفس الأمر وحقيقته فهي من نوع الوثنية الأولى السافرة، والأستاذ الكريم يقدم هذه الحقيقة بدليلها، وأمثلتها المستقاة من نفس البيئة والواقع الذي عليه هؤلاء الأفارقة، وهو بصفته أفريقي أثيوبي، وله زيارات للقارة الأفريقية ضمن وفود الجامعة الإسلامية التي تجول في هذه القارة للدعوة إلى الإسلام وتبصر المسلمين به لتنفيذ أحد أنشطة الجامعة العالمية التي تقوم بها لخدمة الإسلام والمسلمين قد لمس ذلك عن قرب، وعاينه مواجهة فرأى أن ما عليه هؤلاء المسلمون الذين دخلوا الإسلام على يد المتصوفة، ليس من الإسلام في شيء، ما هو إلا تصوت، وقد ألفى شخصية الفرد، في شخصية صاحب الطريقة، أو القطب أو الغوث، وأنه لا يتحرك إلا بحركة هذا الشيخ، أو تأثير ذلك القطب. ونبحث عن الله في عقيدة هذا المتصوف الأفريقي الذي تأسلم، فلا نرى له وجودا، فقد حل القطب أو الغوث مكانه، بعد أن كان من قبل يعبد حيوانا، أو شجرة، أو حجرا. الفرق أن هذا الأول صنم متحرك متكلم، والأخير صنم لا يتحرك، وإذا تحرك فإنه لا يتكلم، وقد طمست العبادات تحت الطقوس والأوراد، التي قدمها الصوفية، كبديل لما أتى به الله.
وحقيقة أخرى يضعها فضيلة المؤلف أمامنا، وأن هذه الحقيقة لو عملنا بمقتضاها لطمسنا هذه المعالم الوثنية، الصوفية، وغير الصوفية، وأحلنا القارة إلى أمة إسلامية، وقد يكون لها دورها في الحديث كما كان لعرب الجزيرة العربية في القديم.
هذه الحقيقة، هي أن أفريقيا كانت أول مهاجر إسلامي، حين هاجر المسلمون الأولون، وهم لا يزالون في مكة إلى الحبشة، فوجدوا في ملكها وأهلها إخوة متحابين ووجدوا فيها الوطن الأمين، حين افتقدوه بين قومهم وعشيرتهم وكان أن أسلم النجاشي قبل أن يدعوه الرسول رسميا إلى الإسلام.
فهذا الموقف من النجاشي وقومه يعطينا أن الأفارقة أناس صفت نفوسهم وليست لهم تعصب في الباطل وإنما هم أولو بصيرة نفاذة وعقل وقاد، وقدرة على التمييز بين الخير والشر. حينما يعرض عليهم الخير يستجيبون له ويميلون إليه ويولون للشر ظهورهم. وقد تجلى ذلك في أقوى صورة، حينما قدم عمرو بن العاص على النجاشي يسترد المسلمين المهاجرين ويطعن في دينهم فلما عرف النجاشي من المسلمين دينهم، وسمع قرآنهم، في مواجهة عمرو رضي الله عنها رفض طلبه ورد عليه هدية قريش التي جاء بها، وقال له: "والله لا أسلمهم إليكم أبدأ"[4] كذلك يقدم لنا انتشار الإسلام في أفريقيا في أدواره المتتابعة عبر التاريخ من عهد الخليفة عثمان إلى الآن، فيطلعنا على قوم فيهم خصوبة دينية، واستجابة إلى الحق وبحث عنه، وما أحرانا أمام هذه الأرض الخصبة وأمام هذه التربة الطيبة أن ننمى فيها ما غرس من أصول الإسلام من قبل وفى أنحاء متفرقة من مجاهلها التي تتحرق شوقا إلى الإسلام الآن وأن نغرس الغراس الجديد بين القوم الذين لم يصلهم الإسلام إلا على أيدي التجار والصوفية، وأخذوا منه التسمية فقط وبقوا على خرافاتهم ووثنياتهم الأولى أو زادوا عليها ما قدمه لهم المتصوفة من وثنيات البيئات المتحضرة، وكذلك نغرس هذا الإسلام الذي جاء في كتاب الله العزيز، والذي قدمه أحد رسل الإسلام إلى رستم أكبر قواد الفرس في قوله: "جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"[5] والذي قدمه أبو سفيان إلى هرقل بهذه الصورة، فكان جواب هرقل قيصر الروم أن قال له: "لئن صح ما قلت فسيملك محمد صلى الله عليه وسلم موضع قدمي هاتين، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، ولو أنى أعلم أنى أصل إليه لتجشمت لقاءه"[6]. فهذا هو الإسلام، وغيره ليس بإسلام، وهو إذا حل في بيئة أحياها كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾[ الأنفال 74.] .
والمؤلف الجليل صاحب هذه الرسالة القيمة ذات الأثر العظيم إن شاء الله يرسم للمملكة العربية السعودية بصفتها المشرفة الأولى على هذا الجهاد وتلك الدعوة المباركة ما يجب أن يتخذ في هذا المجال كي نصل على الغرض المنشود كما يعتبر تخطيطه في مجال الدعوة هذه تخطيطا لكل الدول والجماعات الإسلامية للعمل في إفريقيا وفي غيرها, فهذه مهمة المسلمين المتصلة, والتي لا يصح أن تتوقف في أي زمن أو عصر, ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ [آل عمران 110.]. وفق الله أمتنا الإسلامية إلى العمل على إعزاز الإسلام وإعلاء كلمة المسلمين.
رمضان سنة 1396.
د. إبراهيم إبراهيم هلال
مدرس الدراسات الإسلامية
بكلية بنات عين شمس.
الدور الأول:
وهذه الفترة تعتبر الدور الأول من الأدوار الثلاثة للعمل الإسلامي في أفريقيا وهو دور دخوله ووضع تدمه فيها، وتبين مما تقدم أن الذين حملوا الإسلام إلى أفريقيا في هذا الدور هم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم الذين فهموا الإسلام كما جاء قبل أن يدخل فيه أي دخيل أو فكرة أجنبية أو رأي فاسد أخذوه من في رسول الله عليه الصلاة والسلام غضا طريا كما نزل فبلغوه كما فهموه بأمانة دونها كل الأمانات وبإخلاص يقف دونه كل إخلاص، لذا صار لتبليغهم ذلك التأثير الذي عرفناه في نفس النجاشي وبعض أتباعه ممن أراد الله لهم الهداية ووفقهم. ولقد رأيناهم كيف تأثروا من سماع القرآن، ثم علمنا أن النجاشي لم يتردد في إيمانه رسميا عندما بلغه كتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي يدعوه فيه إلى الإيمان به وبما جاء به. لأنه قد آمن قلبه قبل وصول الكتاب إليه عندما أخبر. بما هو يدعو إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام لذا سمينا إيمانه أو إعلانه بإيمانه رسميا لأنه في واقع الأمر مؤمن قبل ذلك، كما لا يخفى. فيعد النجاشي أول ملك يؤمن برسول الله ودينه من ملوك الدنيا- فيما نعلم- كما تعد قارته الأفريقية أول قارة تطؤها تلكم الأقدام الطاهرة أقدام أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وفيهم بعض آل بيته وأقاربه بل بعض بناته عليه الصلاة والسلام، وشرفت بالإسلام. هكذا دخل الإسلام قارة أفريقيا باعتبار جزء مهم منها وهو الحبشة، فإطلاق الكل وإرادة الجزء لشيء وليد كلامي ولا هو من بدعتي بل هو أسلوب عربي معروف وسبيل مسلوك لا ينتطح حوله عنزان.
والذين لبوا دعوة الإسلام في هذا الدور فهموه حق فهمه لأن الدعاة كانوا من النخبة الممتازة لأن معلمهم الذي لقنهم الإسلام وأخذوا منه دينهم هو رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وليس بخاف على أحد ما للمعلم من الآثار الطيبة أو السيئة على تلاميذه فلا غرو إذا أن يكونوا بذلك المستوى الممتاز في فهم الإسلام وتصوره وأن يكونوا بذلك المستوى الممتاز أيضا في أسلوب الدعوة والتبلبغ وعلو الهمة حتى يكون لدعوتهم ذلك التأثير وذلك القبول لدى الناس حتى صار النجاشي أخا لهم بدعوتهم يستغفرون له ويصلون عليه يوم وفاته.
وقد ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج إلى المصلى، فكبر أربع تكبيرات فقال: استغفروا لأخيكم.[7] وذكر السهيلي: فكان موت النجاشي فى رجب سنة تسع من الهجرة[8] فلما صلى عليه رفع غليه سريه بأرض الحبشة حتى رآه بالمدينة. وتكلم المنافقون فقالوا: يصلى على علج مات بأرض الحبشة. قاتلهم الله أنى يؤفكون، لم يصل رسول الله عليه الصلاة والسلام على علج[9] قط وإنما صلى على من أكرمه الله بالإسلام حتى صار فردا من أفراد أتباعه عليه الصلاة والسلام.
فتور الدعوة لعدم القيادة
وبعد وفاة النجاشي وقبل انتشار الإسلام في الجزيرة العربية مرت على القارة فترة غير قصيرة فترت فيها الدعوة الإسلامية لعدم القيادة ولزوال السلطة التي كانت تحمى الدعوة والدعاة معا بوفاة النجاشي رحمه الله.
ولما بسط الإسلام سلطانه على معظم الدنيا ودخلت العرب في دين الله أفواجا وفى صدر الخليفة الثالث بالتحديد عثمان بن عفان رضي الله عنه أخذت الدعوة الإسلامية تنتشر في القارة من جديد إذ أخذت الجيوش الإسلامية تزحف على شمال أفريقيا حتى فتحوا تونس في غزوة معروفة بغزوة العبادلة. إذ اشترك فيها سبعة من الصحابة اسم كل واحد منهم عبد الله. وهم:
ا- عبد الله بن أبى سرح.
2 عبد الله بن الزبير.
3- عبد الله بن عمر.
4- عبد الله بن عباس.
5- عبد الله بن جعفر.
6- عبد الله بن مسعود.
7- عبد الله بن عمرو بن العاص.
ثم لما استقر لمعاوية رضي الله عنه استأنفت الجيوش الإسلامية زحفها على شمال أفريقيا حتى تم لهم النصر والفتح ودخل الإسلام شمال أفريقيا ثم غربها، وحمل إليها عقيدة التوحيد الخالص العقيدة السليمة من شوائب الوثنية " يتضح مما تقدم أن دعاة الإسلام دخلوا القارة أحيانا بطربقة سليمة مفاوضية ودعوا الناس إلى الإسلام بأخلاقهم وسلوكهم كما اضطروا أحيانا إلى استعمال السيف والقوة كما رأينا في شمال أفريقيا وسواء كان هذا أو ذلك نستطيع أن نسمى هذا الدور الدور الأول للعمل الإسلامي في أفريقيا وهو دور دخوله في فترات متقطعة- كما رأيناه.
الدور الثاني: دور انتشار الإسلام
إن القارة لم تحظ- كغيرها من القارات- بالدعوة الإسلامية المنظمة والشاملة بعد تلك الفترة الوجيزة التي تحدثنا عنها آنفا وسميناها الدور الأول لذا نلاحظ أن انتشار الإسلام في هذا الدور الثاني لا يمكن- في الغالب الكثير- على أيدي دعاة واعين وعلماء فاهمين يستطيعون أن يفرقوا بين الأصيل والدخيل ويميزوا بين الغث والسمين.
الدعاة في هذا الدور
الدعاة في هذا الدور صنفان اثنان،
أما في شرق أفريقيا فقد وجد تجار العرب من جنوب الجزيرة منافذ إلى الحبشة والسودان والصومال فدخلوا هذه المناطق لغرض التجارة حاملين مع تجارتهم الإسلام إليها. وطبيعي أن التاجر العادي غير الدارس للإسلام دون فهمه لأساليب التجارة وطرق تنمية الأموال وإن كان يعتز بانتسابه إلى الإسلام بل والدعوة إليه في حدود فهمه الضيق لذا تجدهم قد حملوا إلى المنطقة إسلاما هزيلا مرقعا كل رقعة. تخالف التي بجوارها وبينهما تنافر وتناقض. وربما سموا إسلاما ما ليس بإسلام في تقاليدهم وعادتهم، إلا أن، ذلك كله لم يكن لسوء قصد وإنما كان لسوء فهم فصور علم لأنهم غير واعين ولأنهم عبروا البحر لأجل التجارة ولما دخلوا المنطقة وجدوا أنفسهم أحسن شيء في الباب- كما تقول بعض الاصطلاحات- فاشتغلوا بالدعوة. إلى الإسلام وهم حاطبوا ليل يأخذون ما تقع عليه أيديهم فيدفعونه إلى سكان القارة علما منهم بأن الرجل الأفريقي الذي يعيش في تلك العصور سوف لا يرد ما يأتي به الرجل العربي بل سوف لا يناقشه ويسأله أصحيح ما يلقيه أو يمليه أم لا؟ اعتقادا منه أن الرجل العربي لا يقول أو يقدم باسم الدين أو ينشر بين الناس إلا ما جاء به النبي الأمي العربي هذا هو اعتقاد الرجل الأفريقي في الرجل العربي وخصوصا إذا كان الرجل العربي داعية إلى الإسلام فيعتقد فيه كل شيء دون العصمة، وفى ظني الذي يشبه اليقين أن رجال جميع القارات غير العرب يشاركون الأفارقة في هذا الاعتقاد والتقدير المبالغ فيهما نحو الرجل العربي كما لاحظنا في بعض زيارات لبعض الجهات غير أفريقيا.
وانطلاقا من هذا الاعتقاد والتقدير المبالغ فيهما، قبل سكان المنطقة من التجار كل شيء أتوا به باسم الدين دون مراجعة أو مناقشة.
فلضعف البصيرة في التجار حملوا إلى المنطقة كل شيء باسم الإسلام ولحسن ظن السكان قبلوا منهم كل شيء. فانتشر الإسلام في القارة هزيلا مدخولا مرقعا كما قلنا فيما تقدم وهذا ما يملكونه "وفاقد الشيء لا يعطيه".
وميزة هؤلاء الدعاة وهم التجار أنهم كانوا يتمتعون بحب الإسلام وحب الخير لسكان القارة. وكانوا حريصين أن يعلموا الناس كل ما علموه صوابا أو خطأ وليسوا باستغلاليين أو نفعيين جزاهم الله خير الجزاء على حسن نيتهم ومجهودهم.
هكذا نترك هذا الصنف من الدعاة وهم التجار. راجين لهم المثوبة من الله-
لننتقل إلى الحديث عن صنف أخر من الدعاة- في زعمهم- وهم المتصوفة.
وقد قام هؤلاء بالعمل باسم الإسلام في أفريقيا شرقا وغربا وشمالا.
وقبل أن أخوض في الحديث عنهم ذكرني موقفهم وتصرفهم عنوان كتاب لبعض الكتاب المعاصرين, "الإسلام المفترى عليه" ثم أقول يمكن أن نوجز عمل مشايخ الصوفية فنقول، إنهم دعوا إلى كل شيء غير الإسلام بالمفهوم الصحيح.
أما الإسلام النزيه الذي جاء به رسول الإسلام وسيد الأنام فلا صلة لدعوتهم به ولعلي لا أشق عليكم أو لا أحرج أحدا لو استطردت حديثا غير طويل لنعرف شيئا عن دعوة المتصوفة لأن المشاع على ألسنة بعض الناس أن لمشايخ الصوفية دورا بارزا وهاما في ميدان الدعوة إلى الإسلام. ويزعمون أن الإسلام دخل بعض المناطق في أفريقيا وغيرها على أيديهم.
التحقيق
الواقع أن لمشايخ الصوفية أعمالا ومجهودا ملموسا في القارة وأنهم دعوا الناس إلى شيء إلا أن ذلك الشيء غير الإسلام في حقيقته وجوهره وهم يعلمون في الغالب الكثير هذه الحقيقة من أنفسهم وإن كان يوجد فيهم من يجهلون هذه الحقيقة ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
يعرف تفاصيل ما أجملت كل من خالط القوم، بل قد صرح بذلك بعض من تاب الله عليهم فتابوا وصرحوا بأنهم ليسوا على شيء قبل التوبة، فنسأل الله لنا ولكم العافية وأما بعض العبادات التي يؤدونها وفق تعاليم الإسلام وبعض الأوراد التي يترنمون بها في حضراتهم وتنطلي على السذج وما قد يتظاهرون به مما ظاهره الإسلام أمام العوام فكل ذلك ملعقة عسل في كوب من السم القاتل فاحذروها لعلكم تسلمون. وقديما قيل: "اسأل مجربا ولا تسأل طبيبا".
أهداف مشايخ الصوفية في دعوتهم
يهدف القوم في الغالب الكثير باسم الدعوة إلى. الإسلام يهدفون إلى الأمور الآتية:
1- تسخير العوام واستخدامهم في مصالحهم الخاصة بدعوى أنهم أهل الله وخاصته فيجب على الناس جميعا أن يخضعوا لهم ويكونوا طوع أمرهم مهما كلفهم الأمر وإن لم يكونوا كذلك فهم مهددون بسلب إيمانهم وسوء الخاتمة.
وتفاديا لهذا الخطر الجسيم يبالغ عوام المسلمين في الخضوع لهم إلى حد العبادة وهذا أحد مفاهيم الدعوة إلى الإسلام عند القوم فما رأى القاريء الكريم؟
وانطلاقا من هذا المفهوم تقول قاعدة صوفية معروفة:
يجب على المريد أن يكون بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل، مسلوب الحرية والاختيار. فاقد الإرادة والحركة حتى حركة الضمير وحديث النفس لأن من صفات الشيخ معرفة ما في الضمائر، ومن خرج على هده القاعد ة يكون عرضة لغضب الشيخ ومن يحلل عليه شبه فقد هلك.
2- تزهيد الناس في علماء الشريعة وطلاب علم الكتاب والسنة بدعوى أنهم أهل الحقيقة والعلماء أهل الشريعة أو هم أهل الباطن والعلماء أهل الظاهر وعلوم الشريعة قشور غير نافعة ما لم يكن في داخلها اللب الذي عند الصوفية وهو ما يسمونه بالعلم الباطن أو العلم اللدني. وهذا كما ترى محاربة سافرة لما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام من علم الكتاب والسنة ومحادة لله ولرسوله من حيث لا يشعرون أومن حيث يشعرون أحيانا.
3- أنهم يسعون مشمرين عن ساعد الجد للوصول إلى ما يسمونه بالحرية المطلقة وهى التحلل الكلى من جميع التكاليف وهو دين وحدة الوجود ويعدون بعض الملاحدة كابن عربي وابن الفارض من أقطابهم ويحاولون الوصول إلى ما وصلوا إليه من الزندقة والخروج على الكتاب والسنة ويلقبون هؤلاء، الزنادقة بالألقاب الآتية:
الواصلون العارفون بالله. الأقطاب وأخيرا الغوث الأعظم.
ما أعظم الفرية؟ وكأن الغوث لا يجمع في اصطلاح القوم ولا مشاحة في الاصطلاح.
وبعدا فهل يجوز والحال كما وصافت اعتبار مشايخ الصوفية من دعاة الإسلام كما يحلوا لبعضهم اعتبارهم من الدعاة ومن الممثلين للمسلمين لدى الأجانب كما يسميهم بعض المخدوعين بهم؟ إن هذا الاعتبار والتمثيل قد شوه جمال الإسلام لدى غير المسلمين وقضى على سماحته لأنهم أصروا الإسلام بمظهر طقوس وثنية واستغلالية. ومكنوا بذلك لأعداء الإسلام أن ينالوا من الإسلام أيما نيل. لهذا كله لا أبيح لنفسي ولا لمن يسمع نصحيتي القول بأنهم من دعاة الإسلام بل الذي يجب أن يقال لبيان الواقع ولكشف الحقائق إنهم دعوا الناس إلى عبادة مشايخهم وأقطابهم وصرفوا الناس عن المفهوم الصحيح للإسلام وقد يقول قائل منهم إنهم قد أدخلوا كثيرا من الوثنيين في الإسلام.
الجواب حقا أنهم أخرجوهم من الوثنية السافرة وأدخلوهم في الوثنية المقنعة بعد أن أطلقوا عليها اسم الإسلام لتقبل وتستساغ أما الإسلام بمفهومه الصحيح فهم في معزل عنه فضلا عن أن يدخلوا غيرهم في صميمه وأنى لهم ذلك. إذ "فاقد الشيء لا يعطيه ".
ولا شك أن هذا التخبط نتيجة إهمال دعاة الإسلام واجبهم وتقصيرهم في أداء واجب الدعوة الإسلامية كما يجب. لذا وهم يتحملون تبعة ذلك كله لأنهم مع فهمهم وقدرتهم تركوا المجال لغيرهم حتى خلا الجو لمشايخ الصوفية ومن تبعهم بغير إحسان.
خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري
وخشية أن يقول قائل- ولو في نفسه- إن كل ما ذكرته من أوصاف القوم وأحوالهم نعتبره دعوى. وهل لديك دليل على ما زعمت؟ خشية أن يرد هدا النوع من التعليق لنسمع معا بيتين لبعض أقطابهم أحدهما لابن الفارض حيث يزعم انه اتحد مع الله بحيث لو صلى فإنما يصلى لنفسه فسجوده لنفسه وركوعه له وهكذا، وذلك إذ يقول
لها صلواتي بالمقام أقيمها واشهد فيها أنها لي صلت
والبيت من تائيته المشهورة التي يطرب مشايخ الصوفية عند قراءتها, فأنت ترى إنه يزعم أنه صار ربا وعبدا يصلي وربما يصلى له .وقد صرح بهذا المعنى أحد رؤسائهم- أحسبه ابن عربي- إذ يقول:
الرب عبد والعبد رب فياليت شعري من المكلف
هذه هي المنزلة التي يشمر لها كل شيخ من مشايخ الصوفية كما يعرف ذلك كل من له اتصال بالقوم. وهل يمكن إدخال هذا المعنى في مفهوم الدعوة الإسلامية؟.
وأما البيت الثالث فقد قاله الكولخى الأفريقي وهو يدعوا الناس إلى تقديس نفسه والغلو فيه إلى حد العبادات زاعما أن محبته ورؤيته توجبان للمرء دخول الجنة ولا محالة حيث يقول:
ومن أحبني ومن رآني في جنة الخلد بلا بهتان
وأكتفى بهذا النموذج من، كلام القوم كشاهد وكدليل على صفاتهم ومن أراد المزيد فعليه بكتب القوم وهي منشورة في مناطقها والله المستعان.
من هذا الشرح الموجز نتبين أن الإسلام دخل القارة أول ما.دخل بمفهومه الصحيح وخالطت بشاشته القلوب وذاقت حلاوته، ثم بعد فترة غير قصيرة أخذ ينتشر على أيدي جماعة تتمتع بحب الإسلام ولا الخير والهداية للمسلمين ولكنها لم تهضم الإسلام ولم تفهمه حق فهمه وهم التجار.
ولما رأى مشايخ الصوفية خلو الميدان وتقاعس دعاة الحق عن واجبهم نزلوا الميدان ولقبوا أنفسه بما سبق أن سمعناه من الألقاب الخداعة فنزلوا ميدان الدعوة إلى الإسلام ليتاجروا بالدين وليجعلوا الإسلام واجهة لدعوتهم الوثنية أو الإلحادية أحيانا على ما تقدم. فأفسدوها حتى صار أتباعهم ومريدوهم يخشونهم كخشية الله أو أشد خشية ويراقبونهم أشد من مراقبتهم لله، هل هذا هو الدين؟ وهل هذه كل الدعوة إلى الإسلام وأي إسلام هذا يا سبحان الله.
وللأسف الشديد هذا هو مفهوم الدين الإسلامي عند جمهور المسلمين الذين تلقوا السلام على أيدي مشايخ الطرق ولدى كثير من الذين يحضون الظن بهم والذي يؤسف له كر ولثر أن يكون هذا موقف بض علماء المسلمين الذين درسوا ما جاء، به الرسول عليه الصلاة والسلام ولكنهم لم يرزقوا الفقه في الدين وثن يرد الله به خيرا يفقه في الدين[10] والدراسة شىء والفقه شىء آخر. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتد لولا أن هدانا الله ولله الحمد والمنة وحده ربنا لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
تمكين التصوف لجراثيم الشيوعية
عندما دخلت الشيوعية كثيرا من الأقطار الإسلامية التي يزعم سكانها أنهم مؤمنون كيف كانت مقاومة إيمانهم لنار الشيوعية؟.
هل أطفأها إيمانهم ذلك حتى صارت بردا وسلاما على سكان تلك الأقطار؟ أم المشاهد أن نار الشيوعية سرت في تلك القلوب سريان النار في القصب اليابسة؟ أو ليس المشاهد أن إيمان أولئك السكان المؤمنين ذاب أمام الشوعية ذوبان الملح في الماء؟ وأكلته الشيوعية كما تأكل النار الحطب؟ هذا هو الواقع ولماذا؟ لماذا لم نجد المقاومة من أولئك المؤمنين أو لماذا هذه الهزيمة أمام الشيوعية؟ وما السر في ذلك؟ ونحن نعلم جميعا أن الإيمان الصادق لا تقف أمامه الشبهات والشهوات بل لا يصادف شبهة أو شهوة أو ذنبا إلا أحرقه
-كما يقول بعض أهل العلم- وهذا حال الصادق إيمانه من علماء الشريعة الذين مصدر إيمانهم الوحي الإلهي الكتاب والسنة.
فأين أتباع الصوفية وأشباههم في الجهل من مثل هذا الموقف؟
أقول مستعينا بالله, إن الذي أستطيع أن أقوله ا جوابا عن هذه الاستفهامات استنتاجا من واقع الجمهور جمهور المسلمين هو أن الفكرة الشيوعية عندما جاءت إلى المنطقة وجدت بعض القلوب تطوف حول صنم المادة، ووجدت قلوبا أخرى تطوف حول صنم الشهوات البهيمية كما وجدتا قلوبا أخرى تطوف حول وثن التصوف متعلقة بأستار أضرحة المشايخ لائذة بها راكعة وساجدة أمام عظمة الشيخ أو المشايخ ناسية ربهم وخالقهم أجل وجدت الشيوعية تلك القلوب في هذه الأماكن القذرة- على الرغم من دعوى الإيمان فساقتها كلها من حول تلك المعبودات الرخيصة وجمعتها وذوبتها وقضت عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه القلوب هي التي كان إيمانها إيمانا تقليديا ضحلا ولم يبلغ درجة اليقين في قلوب جمهور المسلمين الذين انتسبوا إلى الإيمان على أيدي مشايخ الصوفية وأتباعهم وأشباههم في الجهل ولم يتمكن الإيمان من قلوبهم ولم يذوقوا حلاوته، ولا يخص هذا الموقف القارة التي نتحدث عنها ولكنه بلاء عام والله المستعان.
أما القلوب المؤمنة بالله المطمئنة في إيمانها والتي لم يجدوها حول تلك الأصنام والأوثان. بل لم يستطيعوا الوصول إليها. لأنها كانت مع الله في عبادة الله، في ذكر الله، في بيت من بيوت الله، وكانت مشغولة بالله عن غير الله في جنة الأنس بالله، وقد أغمضت عينها عما سوى الله، في تدبر كتاب الله تجول في مخلوقاته وآلائه ونعمائه لتثني على المنعم بها سبحانه.
وقد ابتعدت عن جيفة المادة وروث الشهوات وشرك الصوفية بل قد سمت همتها حتى كادت أن تكون مع الملائكة في طهارتها وسموهم. هذه القلوب في واد, والشيوعية في واد آخر. لا يجتمعان بل لو مرت الشيوعية بواديهم لأذابها إيمانهم وأخمدها وهذه القلوب هي التي بقيت في المنطقة اليوم مؤمنة بالله وبكتابه وبرسوله واليوم الآخر والله ولي التوفيق.
الدور الثالث والأخير: دور التصحيح
مما لا يختلف فيه اثنان فاهمان للأسلام حق فهمه أن مفهوم الإسلام بحاجة إلى التصحيح لدى كثير من المسلمين في قارة إفريقيا وغيرها من القارات ولعل إنشاء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بهذا المستوى العالمي يعتبر عنوانا بارزا في دور التصحيح إن وفق المسئولون فيها وأحسنوا التصرف في استغلالها في ميدان التصحيح لأن تجمع أبناء المسلمين من أقطار الدنيا في هذه الجامعة الفتية ليدرسوا منهجا موحدا في جو إسلامي كهذا ثم ليرجعوا إلى ديارهم ليفقهوا قومهم. فهذا العمل بحق نوع من أنواع التصحيح إن صدق طلاب الجامعة وأخلصوا عملم لله ونهجوا وأنصفوا وهو المتوقع منهم بإذن الله.
ولقد أدركت الجامعة الإسلامية وإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض حاجة القارة الأفريقية الماسة إلى هذا التصحيح وقدرتا ذلك كما يجب. فتقديرا منهما بتلك الحاجة قد اتفقتا على التعاون والتنسيق العمل التصحيحي فيما بينهما بأن تختار الجامعة الإسلامية من خريجيها من يحصل بهم المقصود فتقدمهم لرياسة إدارة البحوث العلمية بالرياض لتبعثهم إلى القارة شرقها وغربها ووسطها. وهو كما ترى؟ تعاون إسلامي مشكور ومثمر بإذن الله إلا أنه لا يزال بحاجة إلى مزيد من التخطيط والتنظيم فنسأل الله تعالى مزيد التوفيق للمسئوولين في كل من الجامعة وإدارة البحوث حتى يتم تنظيم هذا العمل الجليل أكثر من ذي قبل ليتحقق الغرض الذي نظم التعاون من أجله على أحسن وجه وهو تجديد وتصحيح مفهوم الإسلام لدى جمهور المسلمين وإزالة تلك الرواسب الوثنية التي علقت بعقيدتهم
والبدع التي شاعت في عباداتهم وفساد الأخلاق الذي ساد صفوفهم وإلحاد الدستور الذي استوردوه من بلاد أعدائهم واستبدلوا به كتاب ربهم وسنة نبيهم وإزالة تلك الوحشية التي خيمت على قلوبهم حتى فقدوا نعمة الأنس بالله والتوكل عليه والثقة به والالتجاء إليه والاكتفاء به، هذه هي ميادين التجديد والتصحيح.
وإذا سمينا هذا الدور دور التصحيح فليس يعني ذلك الحط من قيمة الأعمال الجبارة التي يقوم بها الدعاة هناك لأن التصحيح الذي نعنيه لا يتم بجرة قلم أو بجعل حرف مكان حرف أو جملة مكان جملة أخرى. بل هو تصحيح يعني استئصال الجاهلية المزمنة ليحل الإسلام مكانها وتطهير القلوب من آثار الوثنية والبدع والخرافات القديمة حتى تحيا تلك القلوب بنور الإيمان والتوحيد الخالص، وحتى تحل الأحكام الإسلامية العادلة مكان تلكم الأحكام الجائرة التي خلفها الاستعمار وورثها قوما آخرين.
وعمل هذا ليس بالأمر السهل بل هو عمل شاق وجهاد عظيم رزقنا الله وإياهم الإخلاص فيه وابتغاء وجهه بنفع عباده وتعليمهم ما يجهلونه إنه عليم بذات الصدور.
دعاة محليون
هنا أمر هام أرى ضرورة التنويه به. وهو أن القارة الإفريقية قد حظيت بالدعاة المحليين المصلحين في فترات متقطعة- وأماكن مختلفة- عبر التاريخ الطويل من أهم هؤلاء، الدعاة وأسبقهم زمنا وأشملهم دعوة، السلطان المجاهد العالم السلفي الشيخ عثمان بن محمد المعروف بابن فودى الفلاتي.
ولد الداعية عثمان فودى سنة 1169 هـ وتوفى سنة 1232 هـ
وبدأ في العمل الإصلاحي والدعوة إلى الإسلام سنة 1188 هـ، وقد دعا الناس إلى الإسلام الصحيح الذي ابتعد عنه كثير من الناس، وجاهد وقاتل في سبيل ذلك إذا دعت الحاجة إلى ألقتال واتصل بالأمراء والعلماء التائهين عن الصواب، دعاهم ليعودوا إلى الصواب وإلى فهم الإسلام وتصوره على حقيقته يوم جاء، من عند الله عقيدة وعبادة وسياسة وخلقا، ولا تزال تلوح أثار دعوته في شمال نيجيريا، وخصوصا أمهات المدن التي كانت عواصم لدعوته ودعوة أبنائه وأحفاده من بعده مثل سكتو وزاريا وجص وغيرها، من أراد أن يعرف الرجل, دعوته وأسلوب دعوته فعليه بقراءة بعض مؤلفاته، ومن أهمها " سراج الإخوان في أهم ما يحتاج إليه في هذا الزمان " وهو كتاب صغير الحجم لكنه جم العلم وكثير الفوائد ينبيء عن علم صاحبه وحرصه الشديد على هداية العباد مع ما يلاحظ من حزمه وصرامته وصراحته في بيان الحق.
ومن ذريته: الشهيد الإسلامي الحاج أحمد بلو رئيس وزراء شمال نيجيريا الذي ختم الله له حياته بالدعوة إلى الإسلام. وقد اعتنق الإسلام على يده خلق كثير من الوثنيين والمسيحيين. وقد حضرنا
أنا وزملائي أعضاء وفد الجامعة الإسلامية حملته العظيمة في الثبشير بالإسلام في شمال نيجيريا عام 1385هـ وقد تحولت مناطق كثيرة مسيحية أو وثنية إلى مناطق إسلامية بحمد الله تعالى وكم من قرى مسيحية وأخرى وثنية كانت تصبح مسيحية أو وثنية وتمسى إسلامية بدعوته وكم من كنائس نصرانية تحولت مساجد إسلامية بين عشية وضحاها وقد كانت الجرائد اليومية في نيجيريا تحمل إلى القراء أرقاما خيالية للمسلمين الجدد كما كانت الإذاعة المحلية تبث أخبارا تثلج صدور المسلمين وتضيق عنها صدور الحاقدين من الصهاينة والنصارى الذين تواطؤوا على تدبير تلك المؤامرة الأثيمة التي أدت إلى اغتيال الشهيد بعد أن قدم أمامه تلك الأعمال الجليلة فنسأل الله تعالى أن يتقبلها منه ويلحقه بالصالحين إنه لا يضيع أجر المحسنين.
2- الشيخ محمد عبد الله المالي المدني، وقد عاش هذا الداعية في المدينة المنورة فترة من الزمن وتولى إمامة المسجد النبوي في أوائل عهد الملك عبد العزيز رحمه الله ثم سافر إلى الهند ثم صنعاء اليمن ثم دخل شرق أفريقيا من طريق الصومال والحبشة. وهي جولة علمية وتبليغية معا إلى أن انتهى به المطاف إلى وطنه مالي. ليصدع بالحق معرضا عن الجاهلين من مشايخ الصوفية وأصحاب الشعوذة وأرباب التقليد الأعمى المعتزلة المعطلة وأتباعهم فأخذ ينشر علم الكتاب والسنة وعقيدة سلف هذه الأمة الذين ينحصر كل خير في اتباعم وهم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام والتابعين لهم بإحسان وقد أحسن من قال:
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
وقد بدأ دعوته المباركة في شرقي مالي عام 1357 هـ واستمر في دعوته وجهاده إلى أن توفي عام 1373هـ رحمه الله- بعدا أن ترك آثار دعوته ظاهرة وورث العلم والعقيدة السلفية عددا لا يستهان به من طلاب العلم الذين ساروا بعده سبرته وصاروا خير خلف في الدعوة ومحاولة الإصلاح ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
3- الشيخ طاهر الجزائري وقد عالجت دعوته جانبا هاما هو جانب العقيدة وإصلاحها. وقد ألف في ذلك عدة رسائل نافعة بإذن الله ومن مؤلفاته:
(1) الإيمان.
(ب) الشرك ومظاهره.
(ج) الجواهر الكلامية في إيضاح العقيدة الإسلامية.
وهو من العلماء الأبطال الذين شاركوا في ذلك الكفاح المرير ضد الفرنسيين في الجزائر الذي كتب الله له النجاح في النهاية.
هكذا يتضح لك أيها المستمع الكريم أن دراسة تاريخ القارة ودور الدعوة الإسلامية وتاريخها يجعل تلك العبارة المشهورة "مجاهيل أفريقيا" خرافة تاريخية لا تدل على الواقع والحقيقة الملموسة في القارة بل الواقع يكذبها كما لا يخفى.
وبعد أحسب أنني أعطيت القاريء الكريم صورة واضحة عن الدعوة الإسلامية في القارة عبر التاريخ- أو- على الأقل- أثرت في نفسه شعور الاستطلاع ليدرس تاريخ القارة ودور الدعوة الإسلامية فيها وأسبقها إلى الإسلام وموقفها الكريم من دعاة الإسلام في صدر الإسلام وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل أرجو أني أعطيت القاريء تلك الصورة أو هذا المعنى للدعاة لأعود إلى الحديث عن الدعاة الذين هم في اليدان الآن وأتحدث عن بعض " الشروط الضرورية لنجاح الدعوة بإذن. الله في القارة الإفريقية وغيرها.
شروط الدعاة
إن نجاح الأعمال في الغالب الكثير يتوقف على نوعية العاملين، لذا أرى من الضروري وضع شروط تحدد لنا نوعية الدعاة الذين نبعثهم إلى الميدان لندون تلك الشروط لدى الجهات المسئولة فتطبق عند انتخاب الدعاة- واختيارهم وهى كالآتي:
(1) يجب أن يكون الداعية ذا عقيدة راسخة وصادقة وكم منيت شعوب كثيرة بدعاة خالية قلوبهم من العقيدة الإسلامية الصحيحة. وكم منيت تلك الشعوب بدعاة لم يتصوروا حقيقة الإسلام ولم يفهموه حق فهمه، دعاة إلى حفلات الموالد. دعاة الرجبية والشعبانية. دعاة الأوراد الصوفية المبتدعة، بل بدعاة يدعون إلى نفي صفات الله تعالى أو تعطيلها بعد أن أثبتها الله لنفسه، يفعلون ذك بدعوى التنزيه بل من الدعاة من يدعو إلى التحلل والابتعاد عن الفضيلة لتحل محلها الرذيلة بدعوى الحرية والتطور. يدعون إلى كل ذلك باسم الإسلام إنه الإسلام المفترى عليه.
(ب) الفقه في الدين والبصيرة في أسلوب الدعوة استنتاجا من قوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾.
(ج) الحكمة والاتزان وعدم الطيش ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل 125.] ، ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا﴾ [البقرة 69.] والحكمة بأوجز عبارة وأدقها هي اللين في موضع اللين والشدة في موضع الشدة.
(د) تجنب المداهنة وهي من أخطر الصفات في الداعية وهي التودد والتملق للناس على حساب الدين بحيث يعجز في النهاية عن بيان الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراعاة لخواطر الجمهور. فيكون معه إذا صلح الناس صلح معهم وإذا فسدوا فسد معهم.
(هـ) الصبر والتحمل لأن علاج الأوضاع القائمة في الأقطار الإسلامية يحتاج زمنا طويلا يقرب من طول عمر الجاهلية المزمنة أو أطول.
وإذا ما طبقنا هذه الشروط أو ما يقاربها من الصفات في الدعاة الذين يعملون في هذا الدور- دور التصحيح- صرنا قريبين من درب النجاح في عملنا بإذن الله وإن كنا ندرك الحاجة الماسة إلى إعادة النظر في تنظيم عمل الدعوة بصفة عامة بل العمل الإسلامي من حيث هو لم يحظ بالتنظيم الدقيق بعد. علما بأن العمل القليل المنظم خير وأكثر ثمرة من العمل الكثير غير المنظم كما لا يخفى.
وعندما يرى المرء عمل المبشرين ودقة تنظيمهم لحركتهم التبشيرية والتضحية التي يقدمونها أثناء القيام بعمل التبشير والصبر والتجلد منهم، ثم قارن ذلك بالفوضى والتخبط اللذين يسودان صفوف المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية وعدم الجدية في عملهم بل يعتبر العمل الإسلامي عملا ثانويا إضافيا يقوم به الإنسان في أثناء فراغه من الأعمال الرسمية الجادة في نظره إذا قارن الإنسان هذه المقارنة يرى قوما أهل باطل يجدون في الدعوة إلى باطلهم ويخلصون في دعوتهم بينما يرى أهل الحق يهملون حقهم ويتكاسلون ولا يتنافسون في سبيله والله المستعان.
وعلى الرغم من كثرة المراكز الإسلامية التي تحمل اسم الدعوة على الإسلام وعلى الرغم من كثرة من
قصدت من هذا العنوان أن نقوم بجولة خاطفة نمر خلايا على بعض جوانب القارة تلك الجوانب التي تهمنا في مجال الدعوة الإسلامية لنعرف ماضي هذه القارة ولنربط ماضيها بحاضرها في الجوانب التي ذكرناها. ولكي نعرف الأدوار التي مرت على العمل الإسلامي في القارة. استنتاجا من واقع الدعوة الإسلامية هناك ابتداء من عهد النجاشي إلى الوقت الحاضر (بشكل مختصر جدا).
أقول مستعينا بالله وحده...
الإسلام في أفريقيا عبر التاريخ
قارة أفريقيا أول قارة سعدت وتنورت بنور الإسلام بعد الجزيرة العربية إذ قفز الإسلام رأسا من مكة المكرمة أول ما وفد على الجزيرة فحل في جزء من أفريقيا "الحبشة" المعروفة اليوم بأثيوبيا، وبالتحديد في "أريتريا" حل الإسلام في ذلك الجزء من أفريقيا قبل أن يعرج على أي مكان آخر حتى على المدينة المنورة دار الهجرة. وذلك عندما اشتد على نبي الرحمة وأصحابه أذى الكفار ولم يتمكنوا من عبادة ربهم بحريتهم وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة بعد أن طمأنهم بأنه يوجد في تلك الأرض ملك لا يظلم أحد بجواره وهو النجاشي رحمه الله. وهو يومئذ لا يزال على نصرانيته.
فغادر الوفد الإسلامي مكة المكرمة بعد أن ضاقت بهم شعاب مكة وجبالها بل الجزيرة كلها في طولها وعرضها فنزلوا بلد النجاشي فوجدوا الرجل كما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام، وجدوه رجلا يتمتع بحصانة العقل والتثبيت في الأمر وحسن الجوار، رجلا لا تؤثر فيه الهدايا الثمينة ولا الكلام المزخرف ولو كان محدثه أدهى رجالات العرب المعروف بمعرفة الكلام وحسن الإلقاء، وسحر البيان كعمرو بن العاص.
الإخوة الأفاضل:
إن هجرة الصحابة هذه لهجرة فريدة من نوعها، إذ لم تكن انتقالا من دار الكفر إلى دار الإسلام كما يقول بعض من يعرف الهجرة بل لم تكن انتقالا من مكان مفضول إلى مكان أفضل بل كانت من مكة المكرمة إلى أرض الحبشة بأفريقيا، والحبشة لم تكن دار إسلام بل لم يكن قد دخلها الإسلام بعد. أجل لم يحصل في تلك الهجرة هذا المعنى ولا ذلك.
لأن هدف القوم كان هو الفرار بدينهم وعقيدتهم التي عذبوا من أجلها ليجدوا مكانا يعبدون الله فيه بحريتهم دون معارض. هذا هو ما تحقق لهم عند النجاشي- بحمد الله- قبل أن يتحقق لهم عند غيره.
والذي يظهر من حال القوم ومن الظروف التي خرجوا فيها ومن سياق قصتهم أنهم كانوا لاجئين وكان يهمهم أن يجدوا أرضا يظهرون فيها شعائر دينهم ويعبدون الله ربهم بعيدين عن الضغط والاضطهاد. هذا ما يظهر من قصة القوم. ولكن الله العليم الحكيم قد بارك في تلك الرحلة الفذة فصاروا حملة الدعوة الإسلامية إلى القارة البكر أفريقيا.
وأدرك كفار قريش هذا المعنى عندما علموا أن المهاجرين قوبلوا بالإكرام والتقدير وأعطوا الحرية في دينهم فصاروا يعبدون الله ربهم دون خوف أو خفاء. من هنا داخلي الخوف بأن الإسلام السمح ربما خط له طريقا في أفريقيا ليتصل بقلوب الأفارقة الطيبة وأذهانهم الخالية- إن ترك وشأنه- ويعمل فيها عمله فيفوزوا بشرف المبادرة إلى قبول الإسلام في الوقت الذي يفوتا فيه هذا الشرف أهل مكة.
فجعلوا يفكرون ويقدرون لينظروا ما يفعلون، فبينما هم في هذا التفكير والتقدير فوجئوا يوم بدر بتلكم الهزيمة النكراء يوم أعز الله فيه الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين فازداد تفكيرهم في شأن المهاجرين فقرروا أخيرا إرسال وفد مهمته محاولة استرجاع المهاجرين إلى مكة- لو استطاعوا- وكان يرأس وفدهم رجل من أدهى رجالات العرب وأقدرهم على سحر البيان، عمرو بن العاص الغني عن التعريف.
قدم الوفد أرض الحبشة فنزل في ضيافة النجاشي وهو يحمل معه أحب الهدايا إلى ملوك الحبشة- كما يقول علماء السيرة- فبادر الوفد فور وصوله بتقديم الهدايا إلى البطارقة رجاء أن يتعاونوا معهم في التأثير في النجاشي حتى يسلم لهم المهاجرين وقد رشوا الأرض ومهدوا الطريق في زعمهم- لو صح التعبير- ولكن المفاوضة أسفرت عن نتيجة عكسية، ذلك لأنهم حاولوا أن يسلم لهم النجاشي المهاجرين قبل أن يسمع كلامهم بل بمجرد الاستماع إلى شرحهم المزخرف. ولكن النجاشي لم يوافق على هذه النقطة بل طلب حضور المهاجرين ليسمع كلامهم كما سمع كلام الآخرين وهو الأسلوب السليم الذي يقتضيه العقل والمنطق بل هو الموقف الذي لا ينتظر من النجاشي غيره وهو من عرفناه إذ هو الملك الذي لا يظلم أحد بجواره بأخبار رسول
الله عليه الصلاة والسلام ما أعظمها من منقبة. لذلك كله وعملا بمبدأ الإنصاف، وهو من الإيمان بمكان طلب النجاشي حضور المهاجرين ليسمع كلامهم. ولما وصل الوفد إلى باب الملك وقفوا عند الباب قبل أن يدخلوا تمشيا مع تعاليم الإسلام ليستأذنوا للدخول
كيف تتوقعون صورة استئذانهم أو علي الأصح كيف يتوقع وفد قريش صورة وكيفية استئذان جماعة غريبة ومستضعفة ولاجئة إلى تلك الأرض النائية إلى جوار ذلك الملك الرهيب؟ لاشك أنهم كانوا يتوقعون استئذانهم كاستئذان قوم أذلاء يدخلون مطأطئين رؤوسهم للملك راكعين على ركبتهم أو ساجدين على جباههم أمام ذلك الملك المهيب الذي صارت له عندهم بعض يد الإحسان والإكرام.
ولكن الذي حصل غير ذلك. أجل إن الذي حصل أن رئيس وفد المهاجرين جعفر بن أبى طالب وقف بالباب فصاح قائلا يستأذن عليك حزب الله فقال النجاشي مروا هذا الصائح فليعد كلامه ففعل. فقال النجاشي نعم فليدخلوا بأمان الله وذمته، فدخلوا ولم يسجدوا طبعا فقال النجاشي, ما منعكم أن تسجدوا لي؟ قال جعفر بكل هدوء وبأسلوب له تأثيره، نسجد لله الذي خلقك وملكك. ثم تابع كلامه قائلا وأما السجود لغير الله فإنما كان تحيتنا يوم كنا نعبد الأوثان. فبعث الله فينا نبيا صادقا وأمرنا بالتحية التي رضيها وهى السلام تحية أهل الجنة. فعرف النجاشي أنهم حزب الله حقا واثقون به ولا يخافون فيه لومة لائم، وأن ما يقولونه، في التوراة والإنجيل[1] .
وهذا الموقف الجريء من الوفد المحمدي هو درس للجانبين معا الجانب القرشي والجانب الأفريقي وخطاب موجه إلى قلوبهم جميعا لو كانوا يفقهون وكأن جعفرا يقول لهم إذا كان وفد قريش مغرورا بفصاحة عمرو وبلاغته وسحر بيانه وبما قدمه من الهدايا الثمينة للبطارقة كثمن لاسترجاعنا، وإذا كانا البطارقة تستضعفنا وتحاول أن تؤثر في النجاشي ملكهم ليسلمنا لعمرو بن العاص، وعلى الرغم من ذلك فنحن حزب الله العلي القدير متوكلون عليه واثقون به فلا نبالي لأنه سبحانه مولانا فنعم المولى ونعم النصير. أجل نحن حزب الله ألا إن حزب الله هم الغالبون، فوقعت خطبة جعفر هذه من النجاشي موقعها. فطلب منهم من يمثلهم في المفاوضة معه والحوار وليرد على ما زعمه وفد قريش. فقال جعفر أنا. فقال له تكلم نقدم جعفر بين يدي كلامه مقدمة تدل على حصافة عقله وأنه من الذين يعرفون أن ينزلوا الناس منازلهم، فقال، إنك ملك لا يصلح عندك كثرة الكلام والظلم، فبعد هذه المقدمة الوجيزة طلب جعفر من النجاشي أن يوجه إلى وفد قريش الأسئلة التالية:
1- أهم عبيد أم أحرار؟.
2- هل أراقوا دما فهربوا؟.
3- هل أخذوا أموال الناس فخرجوا بها؟.
فأجاب عمرو عن الأسئلة الثلاثة بالنفي أي لم يكونوا عبيدا ولا قتلة ولا سراقا. فقال النجاشي ماذا تطلبون منهم إذا؟ قال عمرو كنا وهم على دين واحد دين آبائنا فتركوا ذلك الدين واتبعوا غيره. فترى أن عمرا حصر نقطة الاختلاف بينهم في أنهم تركوا ما كان يعبد آباؤهم واتبعوا ملة أخرى جديدة ولا شيء غيرهما.
فسئل جعفر ما الدين الذي تركوه؟ وما الدين الجديد الذكر اتبعوه؟.
فبالإجابة على هذين السؤالين ينجلي الحق ويظهر ليزهق الباطل لأنه زهوق دائما في النهاية والعاقبة للمتقين.
فقال جعفر في شجاعة وثبات- كما عرفناه- أما الدين الذي كنا عليه فتركناه فهو دين الشيطان. ثم أخذ يفسره قائلا كنا نكفر بالله ونعبد الحجارة، وأما الدين الذي تحولنا إليه فهو دين الله - الإسلام- جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب عيسى بن مريم موافقا له.
فأثارت هذه العبارة الأخيرة في نفس النجاشي ما أثارت فقال تكلمت بأمر عظيم فعلى رسلك، ثم أمر بضرب الناقوس- على عاداتهم- فاجتمع إليه كل قسيس وراهب ثم تام، لهم أسألكم بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى هل تجدون بين يدي عيسى وبين القيامة نبيا مرسلا فقالوا اللهم نعم. قد بشرنا به عيسى فقال: من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي"ثم أخذ النجاشي يسأل جعفرا عما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام. وبم يأمرهم أ وعن أي شيء ينهاهم؟
فأجاب جعفر بالتفصيل الآتي قائلا: يقرأ علينا كتاب الله.
ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. ويأمر بحسن الجوار وبصلة الرحم وبر اليتيم، وبعبادة الله وحده لا شريك له، ثم أبدى النجاشي رغبته في سماع ما تيسر مما نزل على النبي محمد عليه الصلاة والسلام. فقرأ عليه جعفر شيئا من القرآن الكريم ففاضت عين النجاشي وبعض أصحابه ففيهم نزل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾[ المائدة 83.]، قاله قتادة وغير واحد من المفسرين. ثم استزاد قائلا زدنا في هذا الكلام الطيب فقرأ عليه سورة الكهف كما تقول بعض الروايات وعمرو بن العاص جالس يترقب فرصة ليتمكن أن يقول كلمة تثير النجاشي، فلما أخذ جعفر يزيد النجاشي من ذلكم الكلام الطيب من هنا وهناك وعينه تفيض من الدمع ازداد غيظ عمرو فقال ثائرا: إنهم يسبون عيسى وأمه. وكأن الله أراد أن يظهر الحق ولو بهذه الصورة على حد قوله تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة 216.] فجعل جعفر يقرأ سورة مريم كرد لما ادعاه عمرو، ولما سمع النجاشي ما جاء في عيسى وأمه أخذ عودا من الأرض فقال:"ما زاد المسيح على ما يقول هؤلاء مثل هذا مشيرا إلى العود الذي بيده. فهذا يعني منه إعلانا بإيمانه بالنبي العربي محمد عليه الصلاة والسلام بطريقة غير رسمية- طبعا- فلما تناخر بعض بطارقته الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم قال لهم النجاشي: وإن نخرتم والله، ثم قال للمهاجرين اذهبوا وأنتم آمنون بأرضي. من سبكم غرم فلا هوادة.
وتقول بعض روايات السيرة إنه قال: ما أحب أن لي دبر[2] من ذهب وأني آذيت رجلا منكم. ثم قال: ردوا عليهم هداياهم فلا حاجة لي فيها. ثم استطرد قائلا: فوالله ما أخذ الله مني رشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه فخرج الوفد القرشي فاشلا مردودا عليه ما جاء به[3]، هكذا أكرم الله النجاشي- بالإسلام وهو في أرضه إذ بارك الله في تلك الرحلة الموفقة بأنها كانت لله وحده وما كان لله دام وأثمر.
هكذا دخل الإسلام القارة الأفريقية في تلك الظروف الحرجة في وقت مبكر من ظهور الإسلام, في الوقت الذي كان يطارد فيه الإسلام في مهبطه ومكانه الأول. ذلك من فضل الله سبحانه.
تقديم
هذه الرسالة بيان لما اشتبه على بعض الناس في أمر انتشار الإسلام ودخوله قارة أفريقيا، وما دخل في روع الكثير منهم، بأن للصوفية دورهم في هذا المجال، وأن هذه حسنة من حسنات التصوف والصوفية، وأنه لولا قيام الصوفية بهذا الدور، ما عرف الإسلام قلب، أفريقيا.
ولكن المؤلف الأستاذ محمد أمان بن علي، الأستاذ بكلية الشريعة بالمدينة المنورة بجامعتها الإسلامية، يكشف لنا عن هذا الخطأ، ويبين أن الذي نشره الصوفية ما هو إلا وثنية من نوع الوثنيات التي كان عليها الأفارقة قبل غزو التصوف لهم، وإذا اختلفت وثنية التصوف في شيء من هذه الوثنية الأولى فحتما في تقنعها بقناع الإسلام اسما وشكلا، وأما هي في نفس الأمر وحقيقته فهي من نوع الوثنية الأولى السافرة، والأستاذ الكريم يقدم هذه الحقيقة بدليلها، وأمثلتها المستقاة من نفس البيئة والواقع الذي عليه هؤلاء الأفارقة، وهو بصفته أفريقي أثيوبي، وله زيارات للقارة الأفريقية ضمن وفود الجامعة الإسلامية التي تجول في هذه القارة للدعوة إلى الإسلام وتبصر المسلمين به لتنفيذ أحد أنشطة الجامعة العالمية التي تقوم بها لخدمة الإسلام والمسلمين قد لمس ذلك عن قرب، وعاينه مواجهة فرأى أن ما عليه هؤلاء المسلمون الذين دخلوا الإسلام على يد المتصوفة، ليس من الإسلام في شيء، ما هو إلا تصوت، وقد ألفى شخصية الفرد، في شخصية صاحب الطريقة، أو القطب أو الغوث، وأنه لا يتحرك إلا بحركة هذا الشيخ، أو تأثير ذلك القطب. ونبحث عن الله في عقيدة هذا المتصوف الأفريقي الذي تأسلم، فلا نرى له وجودا، فقد حل القطب أو الغوث مكانه، بعد أن كان من قبل يعبد حيوانا، أو شجرة، أو حجرا. الفرق أن هذا الأول صنم متحرك متكلم، والأخير صنم لا يتحرك، وإذا تحرك فإنه لا يتكلم، وقد طمست العبادات تحت الطقوس والأوراد، التي قدمها الصوفية، كبديل لما أتى به الله.
وحقيقة أخرى يضعها فضيلة المؤلف أمامنا، وأن هذه الحقيقة لو عملنا بمقتضاها لطمسنا هذه المعالم الوثنية، الصوفية، وغير الصوفية، وأحلنا القارة إلى أمة إسلامية، وقد يكون لها دورها في الحديث كما كان لعرب الجزيرة العربية في القديم.
هذه الحقيقة، هي أن أفريقيا كانت أول مهاجر إسلامي، حين هاجر المسلمون الأولون، وهم لا يزالون في مكة إلى الحبشة، فوجدوا في ملكها وأهلها إخوة متحابين ووجدوا فيها الوطن الأمين، حين افتقدوه بين قومهم وعشيرتهم وكان أن أسلم النجاشي قبل أن يدعوه الرسول رسميا إلى الإسلام.
فهذا الموقف من النجاشي وقومه يعطينا أن الأفارقة أناس صفت نفوسهم وليست لهم تعصب في الباطل وإنما هم أولو بصيرة نفاذة وعقل وقاد، وقدرة على التمييز بين الخير والشر. حينما يعرض عليهم الخير يستجيبون له ويميلون إليه ويولون للشر ظهورهم. وقد تجلى ذلك في أقوى صورة، حينما قدم عمرو بن العاص على النجاشي يسترد المسلمين المهاجرين ويطعن في دينهم فلما عرف النجاشي من المسلمين دينهم، وسمع قرآنهم، في مواجهة عمرو رضي الله عنها رفض طلبه ورد عليه هدية قريش التي جاء بها، وقال له: "والله لا أسلمهم إليكم أبدأ"[4] كذلك يقدم لنا انتشار الإسلام في أفريقيا في أدواره المتتابعة عبر التاريخ من عهد الخليفة عثمان إلى الآن، فيطلعنا على قوم فيهم خصوبة دينية، واستجابة إلى الحق وبحث عنه، وما أحرانا أمام هذه الأرض الخصبة وأمام هذه التربة الطيبة أن ننمى فيها ما غرس من أصول الإسلام من قبل وفى أنحاء متفرقة من مجاهلها التي تتحرق شوقا إلى الإسلام الآن وأن نغرس الغراس الجديد بين القوم الذين لم يصلهم الإسلام إلا على أيدي التجار والصوفية، وأخذوا منه التسمية فقط وبقوا على خرافاتهم ووثنياتهم الأولى أو زادوا عليها ما قدمه لهم المتصوفة من وثنيات البيئات المتحضرة، وكذلك نغرس هذا الإسلام الذي جاء في كتاب الله العزيز، والذي قدمه أحد رسل الإسلام إلى رستم أكبر قواد الفرس في قوله: "جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"[5] والذي قدمه أبو سفيان إلى هرقل بهذه الصورة، فكان جواب هرقل قيصر الروم أن قال له: "لئن صح ما قلت فسيملك محمد صلى الله عليه وسلم موضع قدمي هاتين، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، ولو أنى أعلم أنى أصل إليه لتجشمت لقاءه"[6]. فهذا هو الإسلام، وغيره ليس بإسلام، وهو إذا حل في بيئة أحياها كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾[ الأنفال 74.] .
والمؤلف الجليل صاحب هذه الرسالة القيمة ذات الأثر العظيم إن شاء الله يرسم للمملكة العربية السعودية بصفتها المشرفة الأولى على هذا الجهاد وتلك الدعوة المباركة ما يجب أن يتخذ في هذا المجال كي نصل على الغرض المنشود كما يعتبر تخطيطه في مجال الدعوة هذه تخطيطا لكل الدول والجماعات الإسلامية للعمل في إفريقيا وفي غيرها, فهذه مهمة المسلمين المتصلة, والتي لا يصح أن تتوقف في أي زمن أو عصر, ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ [آل عمران 110.]. وفق الله أمتنا الإسلامية إلى العمل على إعزاز الإسلام وإعلاء كلمة المسلمين.
رمضان سنة 1396.
د. إبراهيم إبراهيم هلال
مدرس الدراسات الإسلامية
بكلية بنات عين شمس.
الدور الأول:
وهذه الفترة تعتبر الدور الأول من الأدوار الثلاثة للعمل الإسلامي في أفريقيا وهو دور دخوله ووضع تدمه فيها، وتبين مما تقدم أن الذين حملوا الإسلام إلى أفريقيا في هذا الدور هم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم الذين فهموا الإسلام كما جاء قبل أن يدخل فيه أي دخيل أو فكرة أجنبية أو رأي فاسد أخذوه من في رسول الله عليه الصلاة والسلام غضا طريا كما نزل فبلغوه كما فهموه بأمانة دونها كل الأمانات وبإخلاص يقف دونه كل إخلاص، لذا صار لتبليغهم ذلك التأثير الذي عرفناه في نفس النجاشي وبعض أتباعه ممن أراد الله لهم الهداية ووفقهم. ولقد رأيناهم كيف تأثروا من سماع القرآن، ثم علمنا أن النجاشي لم يتردد في إيمانه رسميا عندما بلغه كتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي يدعوه فيه إلى الإيمان به وبما جاء به. لأنه قد آمن قلبه قبل وصول الكتاب إليه عندما أخبر. بما هو يدعو إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام لذا سمينا إيمانه أو إعلانه بإيمانه رسميا لأنه في واقع الأمر مؤمن قبل ذلك، كما لا يخفى. فيعد النجاشي أول ملك يؤمن برسول الله ودينه من ملوك الدنيا- فيما نعلم- كما تعد قارته الأفريقية أول قارة تطؤها تلكم الأقدام الطاهرة أقدام أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وفيهم بعض آل بيته وأقاربه بل بعض بناته عليه الصلاة والسلام، وشرفت بالإسلام. هكذا دخل الإسلام قارة أفريقيا باعتبار جزء مهم منها وهو الحبشة، فإطلاق الكل وإرادة الجزء لشيء وليد كلامي ولا هو من بدعتي بل هو أسلوب عربي معروف وسبيل مسلوك لا ينتطح حوله عنزان.
والذين لبوا دعوة الإسلام في هذا الدور فهموه حق فهمه لأن الدعاة كانوا من النخبة الممتازة لأن معلمهم الذي لقنهم الإسلام وأخذوا منه دينهم هو رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وليس بخاف على أحد ما للمعلم من الآثار الطيبة أو السيئة على تلاميذه فلا غرو إذا أن يكونوا بذلك المستوى الممتاز في فهم الإسلام وتصوره وأن يكونوا بذلك المستوى الممتاز أيضا في أسلوب الدعوة والتبلبغ وعلو الهمة حتى يكون لدعوتهم ذلك التأثير وذلك القبول لدى الناس حتى صار النجاشي أخا لهم بدعوتهم يستغفرون له ويصلون عليه يوم وفاته.
وقد ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج إلى المصلى، فكبر أربع تكبيرات فقال: استغفروا لأخيكم.[7] وذكر السهيلي: فكان موت النجاشي فى رجب سنة تسع من الهجرة[8] فلما صلى عليه رفع غليه سريه بأرض الحبشة حتى رآه بالمدينة. وتكلم المنافقون فقالوا: يصلى على علج مات بأرض الحبشة. قاتلهم الله أنى يؤفكون، لم يصل رسول الله عليه الصلاة والسلام على علج[9] قط وإنما صلى على من أكرمه الله بالإسلام حتى صار فردا من أفراد أتباعه عليه الصلاة والسلام.
فتور الدعوة لعدم القيادة
وبعد وفاة النجاشي وقبل انتشار الإسلام في الجزيرة العربية مرت على القارة فترة غير قصيرة فترت فيها الدعوة الإسلامية لعدم القيادة ولزوال السلطة التي كانت تحمى الدعوة والدعاة معا بوفاة النجاشي رحمه الله.
ولما بسط الإسلام سلطانه على معظم الدنيا ودخلت العرب في دين الله أفواجا وفى صدر الخليفة الثالث بالتحديد عثمان بن عفان رضي الله عنه أخذت الدعوة الإسلامية تنتشر في القارة من جديد إذ أخذت الجيوش الإسلامية تزحف على شمال أفريقيا حتى فتحوا تونس في غزوة معروفة بغزوة العبادلة. إذ اشترك فيها سبعة من الصحابة اسم كل واحد منهم عبد الله. وهم:
ا- عبد الله بن أبى سرح.
2 عبد الله بن الزبير.
3- عبد الله بن عمر.
4- عبد الله بن عباس.
5- عبد الله بن جعفر.
6- عبد الله بن مسعود.
7- عبد الله بن عمرو بن العاص.
ثم لما استقر لمعاوية رضي الله عنه استأنفت الجيوش الإسلامية زحفها على شمال أفريقيا حتى تم لهم النصر والفتح ودخل الإسلام شمال أفريقيا ثم غربها، وحمل إليها عقيدة التوحيد الخالص العقيدة السليمة من شوائب الوثنية " يتضح مما تقدم أن دعاة الإسلام دخلوا القارة أحيانا بطربقة سليمة مفاوضية ودعوا الناس إلى الإسلام بأخلاقهم وسلوكهم كما اضطروا أحيانا إلى استعمال السيف والقوة كما رأينا في شمال أفريقيا وسواء كان هذا أو ذلك نستطيع أن نسمى هذا الدور الدور الأول للعمل الإسلامي في أفريقيا وهو دور دخوله في فترات متقطعة- كما رأيناه.
الدور الثاني: دور انتشار الإسلام
إن القارة لم تحظ- كغيرها من القارات- بالدعوة الإسلامية المنظمة والشاملة بعد تلك الفترة الوجيزة التي تحدثنا عنها آنفا وسميناها الدور الأول لذا نلاحظ أن انتشار الإسلام في هذا الدور الثاني لا يمكن- في الغالب الكثير- على أيدي دعاة واعين وعلماء فاهمين يستطيعون أن يفرقوا بين الأصيل والدخيل ويميزوا بين الغث والسمين.
الدعاة في هذا الدور
الدعاة في هذا الدور صنفان اثنان،
أما في شرق أفريقيا فقد وجد تجار العرب من جنوب الجزيرة منافذ إلى الحبشة والسودان والصومال فدخلوا هذه المناطق لغرض التجارة حاملين مع تجارتهم الإسلام إليها. وطبيعي أن التاجر العادي غير الدارس للإسلام دون فهمه لأساليب التجارة وطرق تنمية الأموال وإن كان يعتز بانتسابه إلى الإسلام بل والدعوة إليه في حدود فهمه الضيق لذا تجدهم قد حملوا إلى المنطقة إسلاما هزيلا مرقعا كل رقعة. تخالف التي بجوارها وبينهما تنافر وتناقض. وربما سموا إسلاما ما ليس بإسلام في تقاليدهم وعادتهم، إلا أن، ذلك كله لم يكن لسوء قصد وإنما كان لسوء فهم فصور علم لأنهم غير واعين ولأنهم عبروا البحر لأجل التجارة ولما دخلوا المنطقة وجدوا أنفسهم أحسن شيء في الباب- كما تقول بعض الاصطلاحات- فاشتغلوا بالدعوة. إلى الإسلام وهم حاطبوا ليل يأخذون ما تقع عليه أيديهم فيدفعونه إلى سكان القارة علما منهم بأن الرجل الأفريقي الذي يعيش في تلك العصور سوف لا يرد ما يأتي به الرجل العربي بل سوف لا يناقشه ويسأله أصحيح ما يلقيه أو يمليه أم لا؟ اعتقادا منه أن الرجل العربي لا يقول أو يقدم باسم الدين أو ينشر بين الناس إلا ما جاء به النبي الأمي العربي هذا هو اعتقاد الرجل الأفريقي في الرجل العربي وخصوصا إذا كان الرجل العربي داعية إلى الإسلام فيعتقد فيه كل شيء دون العصمة، وفى ظني الذي يشبه اليقين أن رجال جميع القارات غير العرب يشاركون الأفارقة في هذا الاعتقاد والتقدير المبالغ فيهما نحو الرجل العربي كما لاحظنا في بعض زيارات لبعض الجهات غير أفريقيا.
وانطلاقا من هذا الاعتقاد والتقدير المبالغ فيهما، قبل سكان المنطقة من التجار كل شيء أتوا به باسم الدين دون مراجعة أو مناقشة.
فلضعف البصيرة في التجار حملوا إلى المنطقة كل شيء باسم الإسلام ولحسن ظن السكان قبلوا منهم كل شيء. فانتشر الإسلام في القارة هزيلا مدخولا مرقعا كما قلنا فيما تقدم وهذا ما يملكونه "وفاقد الشيء لا يعطيه".
وميزة هؤلاء الدعاة وهم التجار أنهم كانوا يتمتعون بحب الإسلام وحب الخير لسكان القارة. وكانوا حريصين أن يعلموا الناس كل ما علموه صوابا أو خطأ وليسوا باستغلاليين أو نفعيين جزاهم الله خير الجزاء على حسن نيتهم ومجهودهم.
هكذا نترك هذا الصنف من الدعاة وهم التجار. راجين لهم المثوبة من الله-
لننتقل إلى الحديث عن صنف أخر من الدعاة- في زعمهم- وهم المتصوفة.
وقد قام هؤلاء بالعمل باسم الإسلام في أفريقيا شرقا وغربا وشمالا.
وقبل أن أخوض في الحديث عنهم ذكرني موقفهم وتصرفهم عنوان كتاب لبعض الكتاب المعاصرين, "الإسلام المفترى عليه" ثم أقول يمكن أن نوجز عمل مشايخ الصوفية فنقول، إنهم دعوا إلى كل شيء غير الإسلام بالمفهوم الصحيح.
أما الإسلام النزيه الذي جاء به رسول الإسلام وسيد الأنام فلا صلة لدعوتهم به ولعلي لا أشق عليكم أو لا أحرج أحدا لو استطردت حديثا غير طويل لنعرف شيئا عن دعوة المتصوفة لأن المشاع على ألسنة بعض الناس أن لمشايخ الصوفية دورا بارزا وهاما في ميدان الدعوة إلى الإسلام. ويزعمون أن الإسلام دخل بعض المناطق في أفريقيا وغيرها على أيديهم.
التحقيق
الواقع أن لمشايخ الصوفية أعمالا ومجهودا ملموسا في القارة وأنهم دعوا الناس إلى شيء إلا أن ذلك الشيء غير الإسلام في حقيقته وجوهره وهم يعلمون في الغالب الكثير هذه الحقيقة من أنفسهم وإن كان يوجد فيهم من يجهلون هذه الحقيقة ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
يعرف تفاصيل ما أجملت كل من خالط القوم، بل قد صرح بذلك بعض من تاب الله عليهم فتابوا وصرحوا بأنهم ليسوا على شيء قبل التوبة، فنسأل الله لنا ولكم العافية وأما بعض العبادات التي يؤدونها وفق تعاليم الإسلام وبعض الأوراد التي يترنمون بها في حضراتهم وتنطلي على السذج وما قد يتظاهرون به مما ظاهره الإسلام أمام العوام فكل ذلك ملعقة عسل في كوب من السم القاتل فاحذروها لعلكم تسلمون. وقديما قيل: "اسأل مجربا ولا تسأل طبيبا".
أهداف مشايخ الصوفية في دعوتهم
يهدف القوم في الغالب الكثير باسم الدعوة إلى. الإسلام يهدفون إلى الأمور الآتية:
1- تسخير العوام واستخدامهم في مصالحهم الخاصة بدعوى أنهم أهل الله وخاصته فيجب على الناس جميعا أن يخضعوا لهم ويكونوا طوع أمرهم مهما كلفهم الأمر وإن لم يكونوا كذلك فهم مهددون بسلب إيمانهم وسوء الخاتمة.
وتفاديا لهذا الخطر الجسيم يبالغ عوام المسلمين في الخضوع لهم إلى حد العبادة وهذا أحد مفاهيم الدعوة إلى الإسلام عند القوم فما رأى القاريء الكريم؟
وانطلاقا من هذا المفهوم تقول قاعدة صوفية معروفة:
يجب على المريد أن يكون بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل، مسلوب الحرية والاختيار. فاقد الإرادة والحركة حتى حركة الضمير وحديث النفس لأن من صفات الشيخ معرفة ما في الضمائر، ومن خرج على هده القاعد ة يكون عرضة لغضب الشيخ ومن يحلل عليه شبه فقد هلك.
2- تزهيد الناس في علماء الشريعة وطلاب علم الكتاب والسنة بدعوى أنهم أهل الحقيقة والعلماء أهل الشريعة أو هم أهل الباطن والعلماء أهل الظاهر وعلوم الشريعة قشور غير نافعة ما لم يكن في داخلها اللب الذي عند الصوفية وهو ما يسمونه بالعلم الباطن أو العلم اللدني. وهذا كما ترى محاربة سافرة لما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام من علم الكتاب والسنة ومحادة لله ولرسوله من حيث لا يشعرون أومن حيث يشعرون أحيانا.
3- أنهم يسعون مشمرين عن ساعد الجد للوصول إلى ما يسمونه بالحرية المطلقة وهى التحلل الكلى من جميع التكاليف وهو دين وحدة الوجود ويعدون بعض الملاحدة كابن عربي وابن الفارض من أقطابهم ويحاولون الوصول إلى ما وصلوا إليه من الزندقة والخروج على الكتاب والسنة ويلقبون هؤلاء، الزنادقة بالألقاب الآتية:
الواصلون العارفون بالله. الأقطاب وأخيرا الغوث الأعظم.
ما أعظم الفرية؟ وكأن الغوث لا يجمع في اصطلاح القوم ولا مشاحة في الاصطلاح.
وبعدا فهل يجوز والحال كما وصافت اعتبار مشايخ الصوفية من دعاة الإسلام كما يحلوا لبعضهم اعتبارهم من الدعاة ومن الممثلين للمسلمين لدى الأجانب كما يسميهم بعض المخدوعين بهم؟ إن هذا الاعتبار والتمثيل قد شوه جمال الإسلام لدى غير المسلمين وقضى على سماحته لأنهم أصروا الإسلام بمظهر طقوس وثنية واستغلالية. ومكنوا بذلك لأعداء الإسلام أن ينالوا من الإسلام أيما نيل. لهذا كله لا أبيح لنفسي ولا لمن يسمع نصحيتي القول بأنهم من دعاة الإسلام بل الذي يجب أن يقال لبيان الواقع ولكشف الحقائق إنهم دعوا الناس إلى عبادة مشايخهم وأقطابهم وصرفوا الناس عن المفهوم الصحيح للإسلام وقد يقول قائل منهم إنهم قد أدخلوا كثيرا من الوثنيين في الإسلام.
الجواب حقا أنهم أخرجوهم من الوثنية السافرة وأدخلوهم في الوثنية المقنعة بعد أن أطلقوا عليها اسم الإسلام لتقبل وتستساغ أما الإسلام بمفهومه الصحيح فهم في معزل عنه فضلا عن أن يدخلوا غيرهم في صميمه وأنى لهم ذلك. إذ "فاقد الشيء لا يعطيه ".
ولا شك أن هذا التخبط نتيجة إهمال دعاة الإسلام واجبهم وتقصيرهم في أداء واجب الدعوة الإسلامية كما يجب. لذا وهم يتحملون تبعة ذلك كله لأنهم مع فهمهم وقدرتهم تركوا المجال لغيرهم حتى خلا الجو لمشايخ الصوفية ومن تبعهم بغير إحسان.
خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري
وخشية أن يقول قائل- ولو في نفسه- إن كل ما ذكرته من أوصاف القوم وأحوالهم نعتبره دعوى. وهل لديك دليل على ما زعمت؟ خشية أن يرد هدا النوع من التعليق لنسمع معا بيتين لبعض أقطابهم أحدهما لابن الفارض حيث يزعم انه اتحد مع الله بحيث لو صلى فإنما يصلى لنفسه فسجوده لنفسه وركوعه له وهكذا، وذلك إذ يقول
لها صلواتي بالمقام أقيمها واشهد فيها أنها لي صلت
والبيت من تائيته المشهورة التي يطرب مشايخ الصوفية عند قراءتها, فأنت ترى إنه يزعم أنه صار ربا وعبدا يصلي وربما يصلى له .وقد صرح بهذا المعنى أحد رؤسائهم- أحسبه ابن عربي- إذ يقول:
الرب عبد والعبد رب فياليت شعري من المكلف
هذه هي المنزلة التي يشمر لها كل شيخ من مشايخ الصوفية كما يعرف ذلك كل من له اتصال بالقوم. وهل يمكن إدخال هذا المعنى في مفهوم الدعوة الإسلامية؟.
وأما البيت الثالث فقد قاله الكولخى الأفريقي وهو يدعوا الناس إلى تقديس نفسه والغلو فيه إلى حد العبادات زاعما أن محبته ورؤيته توجبان للمرء دخول الجنة ولا محالة حيث يقول:
ومن أحبني ومن رآني في جنة الخلد بلا بهتان
وأكتفى بهذا النموذج من، كلام القوم كشاهد وكدليل على صفاتهم ومن أراد المزيد فعليه بكتب القوم وهي منشورة في مناطقها والله المستعان.
من هذا الشرح الموجز نتبين أن الإسلام دخل القارة أول ما.دخل بمفهومه الصحيح وخالطت بشاشته القلوب وذاقت حلاوته، ثم بعد فترة غير قصيرة أخذ ينتشر على أيدي جماعة تتمتع بحب الإسلام ولا الخير والهداية للمسلمين ولكنها لم تهضم الإسلام ولم تفهمه حق فهمه وهم التجار.
ولما رأى مشايخ الصوفية خلو الميدان وتقاعس دعاة الحق عن واجبهم نزلوا الميدان ولقبوا أنفسه بما سبق أن سمعناه من الألقاب الخداعة فنزلوا ميدان الدعوة إلى الإسلام ليتاجروا بالدين وليجعلوا الإسلام واجهة لدعوتهم الوثنية أو الإلحادية أحيانا على ما تقدم. فأفسدوها حتى صار أتباعهم ومريدوهم يخشونهم كخشية الله أو أشد خشية ويراقبونهم أشد من مراقبتهم لله، هل هذا هو الدين؟ وهل هذه كل الدعوة إلى الإسلام وأي إسلام هذا يا سبحان الله.
وللأسف الشديد هذا هو مفهوم الدين الإسلامي عند جمهور المسلمين الذين تلقوا السلام على أيدي مشايخ الطرق ولدى كثير من الذين يحضون الظن بهم والذي يؤسف له كر ولثر أن يكون هذا موقف بض علماء المسلمين الذين درسوا ما جاء، به الرسول عليه الصلاة والسلام ولكنهم لم يرزقوا الفقه في الدين وثن يرد الله به خيرا يفقه في الدين[10] والدراسة شىء والفقه شىء آخر. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتد لولا أن هدانا الله ولله الحمد والمنة وحده ربنا لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
تمكين التصوف لجراثيم الشيوعية
عندما دخلت الشيوعية كثيرا من الأقطار الإسلامية التي يزعم سكانها أنهم مؤمنون كيف كانت مقاومة إيمانهم لنار الشيوعية؟.
هل أطفأها إيمانهم ذلك حتى صارت بردا وسلاما على سكان تلك الأقطار؟ أم المشاهد أن نار الشيوعية سرت في تلك القلوب سريان النار في القصب اليابسة؟ أو ليس المشاهد أن إيمان أولئك السكان المؤمنين ذاب أمام الشوعية ذوبان الملح في الماء؟ وأكلته الشيوعية كما تأكل النار الحطب؟ هذا هو الواقع ولماذا؟ لماذا لم نجد المقاومة من أولئك المؤمنين أو لماذا هذه الهزيمة أمام الشيوعية؟ وما السر في ذلك؟ ونحن نعلم جميعا أن الإيمان الصادق لا تقف أمامه الشبهات والشهوات بل لا يصادف شبهة أو شهوة أو ذنبا إلا أحرقه
-كما يقول بعض أهل العلم- وهذا حال الصادق إيمانه من علماء الشريعة الذين مصدر إيمانهم الوحي الإلهي الكتاب والسنة.
فأين أتباع الصوفية وأشباههم في الجهل من مثل هذا الموقف؟
أقول مستعينا بالله, إن الذي أستطيع أن أقوله ا جوابا عن هذه الاستفهامات استنتاجا من واقع الجمهور جمهور المسلمين هو أن الفكرة الشيوعية عندما جاءت إلى المنطقة وجدت بعض القلوب تطوف حول صنم المادة، ووجدت قلوبا أخرى تطوف حول صنم الشهوات البهيمية كما وجدتا قلوبا أخرى تطوف حول وثن التصوف متعلقة بأستار أضرحة المشايخ لائذة بها راكعة وساجدة أمام عظمة الشيخ أو المشايخ ناسية ربهم وخالقهم أجل وجدت الشيوعية تلك القلوب في هذه الأماكن القذرة- على الرغم من دعوى الإيمان فساقتها كلها من حول تلك المعبودات الرخيصة وجمعتها وذوبتها وقضت عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه القلوب هي التي كان إيمانها إيمانا تقليديا ضحلا ولم يبلغ درجة اليقين في قلوب جمهور المسلمين الذين انتسبوا إلى الإيمان على أيدي مشايخ الصوفية وأتباعهم وأشباههم في الجهل ولم يتمكن الإيمان من قلوبهم ولم يذوقوا حلاوته، ولا يخص هذا الموقف القارة التي نتحدث عنها ولكنه بلاء عام والله المستعان.
أما القلوب المؤمنة بالله المطمئنة في إيمانها والتي لم يجدوها حول تلك الأصنام والأوثان. بل لم يستطيعوا الوصول إليها. لأنها كانت مع الله في عبادة الله، في ذكر الله، في بيت من بيوت الله، وكانت مشغولة بالله عن غير الله في جنة الأنس بالله، وقد أغمضت عينها عما سوى الله، في تدبر كتاب الله تجول في مخلوقاته وآلائه ونعمائه لتثني على المنعم بها سبحانه.
وقد ابتعدت عن جيفة المادة وروث الشهوات وشرك الصوفية بل قد سمت همتها حتى كادت أن تكون مع الملائكة في طهارتها وسموهم. هذه القلوب في واد, والشيوعية في واد آخر. لا يجتمعان بل لو مرت الشيوعية بواديهم لأذابها إيمانهم وأخمدها وهذه القلوب هي التي بقيت في المنطقة اليوم مؤمنة بالله وبكتابه وبرسوله واليوم الآخر والله ولي التوفيق.
الدور الثالث والأخير: دور التصحيح
مما لا يختلف فيه اثنان فاهمان للأسلام حق فهمه أن مفهوم الإسلام بحاجة إلى التصحيح لدى كثير من المسلمين في قارة إفريقيا وغيرها من القارات ولعل إنشاء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بهذا المستوى العالمي يعتبر عنوانا بارزا في دور التصحيح إن وفق المسئولون فيها وأحسنوا التصرف في استغلالها في ميدان التصحيح لأن تجمع أبناء المسلمين من أقطار الدنيا في هذه الجامعة الفتية ليدرسوا منهجا موحدا في جو إسلامي كهذا ثم ليرجعوا إلى ديارهم ليفقهوا قومهم. فهذا العمل بحق نوع من أنواع التصحيح إن صدق طلاب الجامعة وأخلصوا عملم لله ونهجوا وأنصفوا وهو المتوقع منهم بإذن الله.
ولقد أدركت الجامعة الإسلامية وإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض حاجة القارة الأفريقية الماسة إلى هذا التصحيح وقدرتا ذلك كما يجب. فتقديرا منهما بتلك الحاجة قد اتفقتا على التعاون والتنسيق العمل التصحيحي فيما بينهما بأن تختار الجامعة الإسلامية من خريجيها من يحصل بهم المقصود فتقدمهم لرياسة إدارة البحوث العلمية بالرياض لتبعثهم إلى القارة شرقها وغربها ووسطها. وهو كما ترى؟ تعاون إسلامي مشكور ومثمر بإذن الله إلا أنه لا يزال بحاجة إلى مزيد من التخطيط والتنظيم فنسأل الله تعالى مزيد التوفيق للمسئوولين في كل من الجامعة وإدارة البحوث حتى يتم تنظيم هذا العمل الجليل أكثر من ذي قبل ليتحقق الغرض الذي نظم التعاون من أجله على أحسن وجه وهو تجديد وتصحيح مفهوم الإسلام لدى جمهور المسلمين وإزالة تلك الرواسب الوثنية التي علقت بعقيدتهم
والبدع التي شاعت في عباداتهم وفساد الأخلاق الذي ساد صفوفهم وإلحاد الدستور الذي استوردوه من بلاد أعدائهم واستبدلوا به كتاب ربهم وسنة نبيهم وإزالة تلك الوحشية التي خيمت على قلوبهم حتى فقدوا نعمة الأنس بالله والتوكل عليه والثقة به والالتجاء إليه والاكتفاء به، هذه هي ميادين التجديد والتصحيح.
وإذا سمينا هذا الدور دور التصحيح فليس يعني ذلك الحط من قيمة الأعمال الجبارة التي يقوم بها الدعاة هناك لأن التصحيح الذي نعنيه لا يتم بجرة قلم أو بجعل حرف مكان حرف أو جملة مكان جملة أخرى. بل هو تصحيح يعني استئصال الجاهلية المزمنة ليحل الإسلام مكانها وتطهير القلوب من آثار الوثنية والبدع والخرافات القديمة حتى تحيا تلك القلوب بنور الإيمان والتوحيد الخالص، وحتى تحل الأحكام الإسلامية العادلة مكان تلكم الأحكام الجائرة التي خلفها الاستعمار وورثها قوما آخرين.
وعمل هذا ليس بالأمر السهل بل هو عمل شاق وجهاد عظيم رزقنا الله وإياهم الإخلاص فيه وابتغاء وجهه بنفع عباده وتعليمهم ما يجهلونه إنه عليم بذات الصدور.
دعاة محليون
هنا أمر هام أرى ضرورة التنويه به. وهو أن القارة الإفريقية قد حظيت بالدعاة المحليين المصلحين في فترات متقطعة- وأماكن مختلفة- عبر التاريخ الطويل من أهم هؤلاء، الدعاة وأسبقهم زمنا وأشملهم دعوة، السلطان المجاهد العالم السلفي الشيخ عثمان بن محمد المعروف بابن فودى الفلاتي.
ولد الداعية عثمان فودى سنة 1169 هـ وتوفى سنة 1232 هـ
وبدأ في العمل الإصلاحي والدعوة إلى الإسلام سنة 1188 هـ، وقد دعا الناس إلى الإسلام الصحيح الذي ابتعد عنه كثير من الناس، وجاهد وقاتل في سبيل ذلك إذا دعت الحاجة إلى ألقتال واتصل بالأمراء والعلماء التائهين عن الصواب، دعاهم ليعودوا إلى الصواب وإلى فهم الإسلام وتصوره على حقيقته يوم جاء، من عند الله عقيدة وعبادة وسياسة وخلقا، ولا تزال تلوح أثار دعوته في شمال نيجيريا، وخصوصا أمهات المدن التي كانت عواصم لدعوته ودعوة أبنائه وأحفاده من بعده مثل سكتو وزاريا وجص وغيرها، من أراد أن يعرف الرجل, دعوته وأسلوب دعوته فعليه بقراءة بعض مؤلفاته، ومن أهمها " سراج الإخوان في أهم ما يحتاج إليه في هذا الزمان " وهو كتاب صغير الحجم لكنه جم العلم وكثير الفوائد ينبيء عن علم صاحبه وحرصه الشديد على هداية العباد مع ما يلاحظ من حزمه وصرامته وصراحته في بيان الحق.
ومن ذريته: الشهيد الإسلامي الحاج أحمد بلو رئيس وزراء شمال نيجيريا الذي ختم الله له حياته بالدعوة إلى الإسلام. وقد اعتنق الإسلام على يده خلق كثير من الوثنيين والمسيحيين. وقد حضرنا
أنا وزملائي أعضاء وفد الجامعة الإسلامية حملته العظيمة في الثبشير بالإسلام في شمال نيجيريا عام 1385هـ وقد تحولت مناطق كثيرة مسيحية أو وثنية إلى مناطق إسلامية بحمد الله تعالى وكم من قرى مسيحية وأخرى وثنية كانت تصبح مسيحية أو وثنية وتمسى إسلامية بدعوته وكم من كنائس نصرانية تحولت مساجد إسلامية بين عشية وضحاها وقد كانت الجرائد اليومية في نيجيريا تحمل إلى القراء أرقاما خيالية للمسلمين الجدد كما كانت الإذاعة المحلية تبث أخبارا تثلج صدور المسلمين وتضيق عنها صدور الحاقدين من الصهاينة والنصارى الذين تواطؤوا على تدبير تلك المؤامرة الأثيمة التي أدت إلى اغتيال الشهيد بعد أن قدم أمامه تلك الأعمال الجليلة فنسأل الله تعالى أن يتقبلها منه ويلحقه بالصالحين إنه لا يضيع أجر المحسنين.
2- الشيخ محمد عبد الله المالي المدني، وقد عاش هذا الداعية في المدينة المنورة فترة من الزمن وتولى إمامة المسجد النبوي في أوائل عهد الملك عبد العزيز رحمه الله ثم سافر إلى الهند ثم صنعاء اليمن ثم دخل شرق أفريقيا من طريق الصومال والحبشة. وهي جولة علمية وتبليغية معا إلى أن انتهى به المطاف إلى وطنه مالي. ليصدع بالحق معرضا عن الجاهلين من مشايخ الصوفية وأصحاب الشعوذة وأرباب التقليد الأعمى المعتزلة المعطلة وأتباعهم فأخذ ينشر علم الكتاب والسنة وعقيدة سلف هذه الأمة الذين ينحصر كل خير في اتباعم وهم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام والتابعين لهم بإحسان وقد أحسن من قال:
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
وقد بدأ دعوته المباركة في شرقي مالي عام 1357 هـ واستمر في دعوته وجهاده إلى أن توفي عام 1373هـ رحمه الله- بعدا أن ترك آثار دعوته ظاهرة وورث العلم والعقيدة السلفية عددا لا يستهان به من طلاب العلم الذين ساروا بعده سبرته وصاروا خير خلف في الدعوة ومحاولة الإصلاح ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
3- الشيخ طاهر الجزائري وقد عالجت دعوته جانبا هاما هو جانب العقيدة وإصلاحها. وقد ألف في ذلك عدة رسائل نافعة بإذن الله ومن مؤلفاته:
(1) الإيمان.
(ب) الشرك ومظاهره.
(ج) الجواهر الكلامية في إيضاح العقيدة الإسلامية.
وهو من العلماء الأبطال الذين شاركوا في ذلك الكفاح المرير ضد الفرنسيين في الجزائر الذي كتب الله له النجاح في النهاية.
هكذا يتضح لك أيها المستمع الكريم أن دراسة تاريخ القارة ودور الدعوة الإسلامية وتاريخها يجعل تلك العبارة المشهورة "مجاهيل أفريقيا" خرافة تاريخية لا تدل على الواقع والحقيقة الملموسة في القارة بل الواقع يكذبها كما لا يخفى.
وبعد أحسب أنني أعطيت القاريء الكريم صورة واضحة عن الدعوة الإسلامية في القارة عبر التاريخ- أو- على الأقل- أثرت في نفسه شعور الاستطلاع ليدرس تاريخ القارة ودور الدعوة الإسلامية فيها وأسبقها إلى الإسلام وموقفها الكريم من دعاة الإسلام في صدر الإسلام وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل أرجو أني أعطيت القاريء تلك الصورة أو هذا المعنى للدعاة لأعود إلى الحديث عن الدعاة الذين هم في اليدان الآن وأتحدث عن بعض " الشروط الضرورية لنجاح الدعوة بإذن. الله في القارة الإفريقية وغيرها.
شروط الدعاة
إن نجاح الأعمال في الغالب الكثير يتوقف على نوعية العاملين، لذا أرى من الضروري وضع شروط تحدد لنا نوعية الدعاة الذين نبعثهم إلى الميدان لندون تلك الشروط لدى الجهات المسئولة فتطبق عند انتخاب الدعاة- واختيارهم وهى كالآتي:
(1) يجب أن يكون الداعية ذا عقيدة راسخة وصادقة وكم منيت شعوب كثيرة بدعاة خالية قلوبهم من العقيدة الإسلامية الصحيحة. وكم منيت تلك الشعوب بدعاة لم يتصوروا حقيقة الإسلام ولم يفهموه حق فهمه، دعاة إلى حفلات الموالد. دعاة الرجبية والشعبانية. دعاة الأوراد الصوفية المبتدعة، بل بدعاة يدعون إلى نفي صفات الله تعالى أو تعطيلها بعد أن أثبتها الله لنفسه، يفعلون ذك بدعوى التنزيه بل من الدعاة من يدعو إلى التحلل والابتعاد عن الفضيلة لتحل محلها الرذيلة بدعوى الحرية والتطور. يدعون إلى كل ذلك باسم الإسلام إنه الإسلام المفترى عليه.
(ب) الفقه في الدين والبصيرة في أسلوب الدعوة استنتاجا من قوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾.
(ج) الحكمة والاتزان وعدم الطيش ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل 125.] ، ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا﴾ [البقرة 69.] والحكمة بأوجز عبارة وأدقها هي اللين في موضع اللين والشدة في موضع الشدة.
(د) تجنب المداهنة وهي من أخطر الصفات في الداعية وهي التودد والتملق للناس على حساب الدين بحيث يعجز في النهاية عن بيان الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراعاة لخواطر الجمهور. فيكون معه إذا صلح الناس صلح معهم وإذا فسدوا فسد معهم.
(هـ) الصبر والتحمل لأن علاج الأوضاع القائمة في الأقطار الإسلامية يحتاج زمنا طويلا يقرب من طول عمر الجاهلية المزمنة أو أطول.
وإذا ما طبقنا هذه الشروط أو ما يقاربها من الصفات في الدعاة الذين يعملون في هذا الدور- دور التصحيح- صرنا قريبين من درب النجاح في عملنا بإذن الله وإن كنا ندرك الحاجة الماسة إلى إعادة النظر في تنظيم عمل الدعوة بصفة عامة بل العمل الإسلامي من حيث هو لم يحظ بالتنظيم الدقيق بعد. علما بأن العمل القليل المنظم خير وأكثر ثمرة من العمل الكثير غير المنظم كما لا يخفى.
وعندما يرى المرء عمل المبشرين ودقة تنظيمهم لحركتهم التبشيرية والتضحية التي يقدمونها أثناء القيام بعمل التبشير والصبر والتجلد منهم، ثم قارن ذلك بالفوضى والتخبط اللذين يسودان صفوف المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية وعدم الجدية في عملهم بل يعتبر العمل الإسلامي عملا ثانويا إضافيا يقوم به الإنسان في أثناء فراغه من الأعمال الرسمية الجادة في نظره إذا قارن الإنسان هذه المقارنة يرى قوما أهل باطل يجدون في الدعوة إلى باطلهم ويخلصون في دعوتهم بينما يرى أهل الحق يهملون حقهم ويتكاسلون ولا يتنافسون في سبيله والله المستعان.
وعلى الرغم من كثرة المراكز الإسلامية التي تحمل اسم الدعوة على الإسلام وعلى الرغم من كثرة من
مواضيع مماثلة
» الإسلام دين جميع الأنبياء
» الإسلام دين جميع الأنبياء2
» قال الشيخ الإسلام رحمه الله
» نشيدة ياأمة الإسلام بشرى
» الدعوة إلى وحدة الأديان من نوقض الإسلام
» الإسلام دين جميع الأنبياء2
» قال الشيخ الإسلام رحمه الله
» نشيدة ياأمة الإسلام بشرى
» الدعوة إلى وحدة الأديان من نوقض الإسلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى