التأجير المنتهي بالتمليك ...
صفحة 1 من اصل 1
التأجير المنتهي بالتمليك ...
التأجير المنتهي بالتمليك
فضيلة الشيخ خالد المشيقح حفظه الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهذا بحث في مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك والتي كثر تعامل الناس بها في هذا الزمن.
فنقول: التأجير المنتهي بالتمليك أو الإجارة المنتهية بالتمليك هذا المصطلح ، اصطلاح معاصر لم يكن عند الفقهاء السابقين .
تعريفه :
هذا المصطلح مركب من كلمتين :
أ – التأجير أو الإجارة . ب – التمليك .
وسنعرف هاتين الكلمتين ثم نقوم بتعريف هذا العقد مركباً .
أولاً : التأجير في اللغة : مشتق من الأجر ، وهو الجزاء على العمل ويطلق أيضاً على الثواب .
والإجارة : اسم للأجرة ، وهي ما يعطى من الأجر على العمل .
وأما الإجارة في اصطلاح العلماء : هي عقد على منفعة معلومة مباحة من عين معينة أو موصوفة في الذمة أو على عمل معلوم بعوض معلوم مدة معلومة .
فتلخص لنا أن الإجارة تنقسم إلى قسمين :
1 – إجارة أعيان . 2 – إجارة أعمال .
ثانياً : التمليك ، وهو في اللغة : جعل الغير مالكاً للشيء .
وأما في الاصطلاح فإنه لا يخرج عن المعنى اللغوي .
والتمليك قد يكون تمليكاً للعين ، وقد يكون تمليكاً للمنفعة ، وقد يكون بعوض ، وقد يكون بغير عوض .
فإذا كان تمليكاً للعين بعوض فهذا بيع .
وإذا كان تمليكاً للمنفعة بعوض فهذه هي الإجارة .
وإذا كان تمليكاً للعين بلا عوض فهذه هي الهبة .
وإذا كان تمليكاً للمنفعة بلا عوض فهذه عارية .
ثالثاً : تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك على أنها مركبة من كلمتين : هي تمليك منفعة من عين معلومة مدة معلومة ، يتبعه تمليك العين على صفة مخصوصة بعوض معلوم .
فقولهم : تمليك منفعة ، هذا هو الإجارة .
وقولهم : يتبعه تمليك العين ، هذا هو البيع .
فهي إجارة منتهية بالتمليك .
نشأة عقد الإجارة المنتهية بالتمليك:
هذا العقد وجد أول ما وجد عام 1846 م في إنجلترا ، وأول من تعامل بهذا العقد ، أحد تجار الآلات الموسيقية في إنجلترا ، فكان يؤجر آلاته الموسيقية إجارة يتبعها تمليك العين ، وقصد من ذلك ضمان حقه .
ثم بعد ذلك انتشر مثل هذا العقد وانتقل من الأفراد إلى المصانع ، وكان أول هذه المصانع تطبيقاً لهذا العقد مصنع سنجر لآلات الخياطة في إنجلترا .
ثم بعد ذلك تطور ، وانتشر بصفة خاصة في شركات السكك الحديدية ، التي تشتري المركبات ، وتؤجرها لمناجم الفحم تأجيراً ينتهي بالتمليك .
ثم بعد ذلك انتشر هذا العقد ، وانتقل إلى بقية دول العالم ، فانتقل إلى الولايات المتحدة عام 1953م .
ثم بعد ذلك انتقل إلى فرنسا عام 1962م .
ثم بعد ذلك انتقل إلى البلاد العربية والإسلامية عام 1397 هـ .
بعض المسائل الفقهية التي يبنى عليها هذا العقد :
قبل الدخول في عقد الإجارة المنتهية بالتمليك لابد من بحث بعض المسائل الفقهية التي يبنى عليها هذا العقد .
فإن الذين منعوا هذا العقد كما سيأتينا في أقسام هذا العقد مطلقاً قالوا :
بأنه اشتراط عقد في عقد ، وهذا لا يجوز عند جمهور أهل العلم .
وقالوا أيضاً : يتضمن تعليق عقد البيع على شرط مستقبل ، وهذا لا يجوز .
وقالوا أيضاً : تعليق الهبة ، وهذا لا يجوز .
وقالوا : هذا مبني على الوعد والالزام به ، والوعد غير لازم عند الجمهور .
فمثل هذه المسائل سنشير إلى كلام العلماء فيها عن طريق الإجمال ، لأنه كما أسلفت هذا العقد – عقد الإجارة المنتهي بالتمليك – يبنى على هذه المسائل ، فإذا عرفنا الحكم في هذه المسائل يتبين لنا الإجابة عن قول من منع مثل هذا العقد مطلقاً بكل أقسامه وصوره .
وسوف يأتينا أن هذا العقد له ثلاثة أقسام :
1 – قسم محرم .
2 – قسم جائز .
3 – قسم ضبطه العلماء بضوابط .
الذين منعوا هذه الأقسام كلها ، ومنعوا صور الإجارة المنتهية بالتمليك كلها تمسكوا بالمسائل الفقهية التي ذكرت ... ونحن سنتعرض لهذه المسائل بإجمال ، قبل أن نذكر أقسام الإجارة المنتهية بالتمليك .
المسألة الأولى : شرط المنفعة :
تقدم لنا في الضوابط أن الأصل في الشروط في عقد البيع الصحة ، ودليل ذلك قول الله عز وجل : ]
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [ ،
والإيفاء بالعقد يتضمن الإيفاء بأصله ووصفه ، ومن وصفه الشرط فيه ، وأيضاً حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلمون على شروطهم ) .
تعريف الشرط في البيع :
الشرط في عقد البيع هو ما يشترطه أحد المتعاقدين مما له فيه مصلحة .
محله : تقدم أن ذكر أن محل هذه الشروط يصح أن تكون قبل العقد ، ويصح أن تكون في صلب العقد، ويصح أن تكون في زمن الخيارين ، زمن خيار الشرط ، وزمن خيار المجلس.
أقسام الشروط في العقد :
الشروط في البيع تنقسم إلى أربعة أقسام :
الأول : شرط يقتضيه العقد ، فهذا صحيح بالاتفاق ، ولهذا العلماء لا يذكرونه في المختصرات ، وإنما يذكرونه في المطولات ، وذكر مثل هذا الشرط إنما هو من قبيل البيان والتوكيد .
مثاله : اشتراط أن يكون الثمن حالاً ،
فلو قال البائع : أنا أبيع عليك البيت لكن بشرط أن يكون الثمن حالاً ، فهذا الشرط لا حاجة له لأن العقد يقتضي أن يكون الثمن حالاً ، وليس مؤجلاً ، إذا أراد أن يؤجل فله أن يشترط عدم التأجيل .
أيضاً لو قال المشتري : أشتري منك السيارة بشرط أن أقبضها الآن ، هذا أيضاً شرط يقتضيه العقد ، فالأصل أن البائع يقبض السلعة الآن ، فإذا أراد أن يؤخر فله أن يشترط .
الثاني : شرط مصلحة ، سواء كانت هذه المصلحة راجعة للعقد أو راجعة على أحد المتعاقدين ، فهذا الشرط أيضاً صحيح باتفاق الأئمة .
مثل : شرط الرهن أو الضمين أو الكفيل ، فهذه شروط صحيحة ،
وكما لو قال المشتري : اشترط أن يكون الثمن مؤجلاً ، فقال البائع : أشترط أن تعطيني رهناً.
الثالث : شرط وصف في المبيع أو في الثمن ، أيضاً هذا صحيح باتفاق الأئمة ، فلو قال :
أنا أشتري السيارة لكن بشرط أن تكون سرعتها كذا وكذا ، وأن تكون إطاراتها كذا وكذا ، وان تكون قوة المكينة كذا وكذا ... الخ ، فهذا شرط ، وصف جائز حتى ولو اشترط المشتري مئة شرط ، هذه كلها شروط صحيحة ، والأئمة يتفقون على ذلك .
الرابع : شرط المنفعة ، وهذا هو الذي اختلف فيه العلماء ،
مثاله : أن يقول : أبيعك السيارة بشرط أن أستعملها لمدة يوم أو يومين ، أو تكون المنفعة في البائع ، قال : أشتري منك السيارة بشرط ، أن تغسلها أو تصلح الخلل الموجود فيها ...
حكمه :
اختلف فيه العلماء :
1 – أضيق المذاهب فيه مذهب الشافعية ، لا يجوزون أي شرط .
2 – الحنابلة لا يجيزون إلا شرطاً واحداً ، يعني يصح أن تشترط شرطاً واحداً ، سواء كان هذا الشرط في المبيع أو في البائع ، ولا يجوز أن تجمع شرطين .
دليلهم : لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ) ،
فقالوا : تجمع شرطين من شروط المنافع لا يجوز .
3 – المالكية قالوا : يجوز الشرط اليسير ، وإذا كان كثيراً لا يجوز .
4 – الحنفية : إذا جرى تعامل الناس به جاز ، وإذا لم يجر لا يجوز .
5 – وأوسع الناس في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، وهو رواية عند الحنابلة :
أنه تجوز شروط المنفعة ، وإن كثرت شرطين ثلاثة أربعة ...
الترجيح :
هذا القول هو الصواب لما ذكرنا من الضابط أن الأصل في الشروط في البيع الحل ، فإذا قال :
أشتري منك السيارة بشرط أنك تصلحها ، وتغسلها وتقوم بفحصها ... الخ ،
قالوا : هذا جائز ولا بأس به لما تقدم من الضابط وقد ذكرنا الدليل عليه ، وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط عليه حملان ظهر الجمل الذي باعه عليه إلى المدينة .
فالصحيح أن الشروط في البيع كلها جائزة .
المسألة الثانية : اشتراط عقد في عقد :
ولابد أن نفهم مسألتين ،
الأولى : مسألة اشتراط عقد في عقد .
والثاني : جمع عقدين في صفقة واحدة ، فتجمع عقدين هذه لا بأس بها ، يعني تقول مثلاً : بعتك السيارة ، وأجرتك البيت بمائة ألف ريال ، الآن جمعت بين البيع والتجارة بثمن واحد ، هذا جائز يجوزه الحنابلة والمالكية .
لكن هذا ليس منه التأجير المنتهي بالتمليك كما سيأتي .
التأجير المنتهي بالتمليك ؛ توارد عقدين على عين واحدة ، هنا ورد عقدان على عينين . لكن جمعت بينهما في صفقة واحدة بثمن واحد. لكن في الإجارة المنتهية بالتمليك التي منعها مجمع الفقه الإسلامي وهيئة كبار العلماء بالمملكة هو توارد عقدين على عين واحدة؛ عقد البيع وعقد الإجارة .
وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك كيف ورد عقد البيع؟
وكيف ورد عقد الإجارة؟ فأصبحت هذه المعاملة لا تجوز.
فجمع عقدين في صفقة واحدة هذا جائز ولا بأس به وإذا أردنا التفريق بينهما نقسط الثمن.
لكن اشتراط عقد في عقد ؛ المذهب أن هذا ممنوع .
مثاله : أن تقول : بعتك البيت بشرط أن تؤجرني سيارتك أو أجرتك السيارة بشرط أن تبيعني بيتك.
حكمه : كما أن الحنابلة يمنعونه أيضاً هو قول أكثر أهل العلم وأنه لا يصح .
الدليل :
1 – قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع).
2 – وقالوا أيضاً : إن هذا هو بيعتان في بيعة الذي نهى عنه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم .
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهو اختيار السعدي وقول عند المالكية وعند الحنابلة :
أن هذا جائز ولا بأس به إلا إذا تضمن محظوراً شرعياً.
تضمن محظوراً شرعياً كما لو قال: أقرضتك بشرط أن تبيع لي . فهذا كما تقدم أنه داخل في منافع القروض المحرمة أن يشترط الدائن على المدين منفعة لا يقابلها سوى القرض. وأيضاً قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم :
( لا يحل سلف وبيع) فهذا شرط عقد في عقد تضمن محظوراً شرعياً فلا يجوز ، وهو أيضاً إخراج القرض عن موضوعه ، فإن المراد بالقرض؛ الإرفاق ووجه الله عز وجل إلى الكسب والتجارة.
وأيضاً كما لو قال : بعتك بشرط أن تزوجني ، فنظير هذا النهي عن الشغار وهو أن يقول:
زوجتك بشرط أن تزوجني أو تزوج ابني. لأن الإنسان إذا قال: زوجتك بشرط أن تبيعني فإنه لا ينظر إلى مصلحة موليته وإنما ينظر لمصلحته هو، فمن باعه أو حابه زوجه.
الترجيح :
هذا القول هو الصواب وأن اشتراط عقد في عقد جائز ولا بأس به مالم يتضمن محظوراً شرعياً .
ونستدل على هذا بما ذكر من الضوابط السابقة : أن الأصل في المعاملات والشروط فيها الحل.
وأما الشرطان اللذان نهى عنهما النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أو البيعتان في بيعة فهذا ابن القيم وشيخ الإسلام يحملانه على بيع العينة . فإن بيع العينة تضمن بيع مؤجل وبيع حاضر. وتضمن أيضاً الشرطين ؛ شرط التأجيل وشرط الحلول .
المسألة الثالثة : تعليق عقد البيع على شرط مستقبل .
مثالها : أن يقول : بعتك السيارة إذا دخل شهر رمضان ونحو ذلك .
حكمه : فيه خلاف على قولين :
أ – الجمهور : على أنه غير جائز .
التعليل : قالوا : هذا يخالف مقتضى العقد إذ إن مقتضى العقد الفورية وألا يكون معلقاً .
ب - شيخ الإسلام : يصح تعليق عقد البيع على شرط مستقبل .
الدليل : 1 – قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في سرية مؤتة :
( أميركم زيد فإن أصيب فجعفر فإن أصيب فعبد الله بن رواحة )
فالنبي صلى الله عليه وسلم علق عقد الولاية .
2 – أن الأصل في الشروط في العقود الصحة .
الترجيح :
تلخص أن تعليق عقد البيع على شرط مستقبل جائز ولا بأس به.
المسألة الرابعة : تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل :
الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السابقة .
أ – فالجمهور على أنه يمنع من ذلك .
فالحنفية والشافعية والحنابلة يمنعون من ذلك
مثال ذلك : لو قال : وهبتك السيارة إذا دخل شهر رمضان .
وتقدم أنهم يقولون : الأصل في العقود أن تكون منجزة .
ب – قول المالكية وقال به الحارثي من الحنابلة وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم: أن هذا جائز ولا بأس به .
وإذا جاز ذلك في عقد البيع فجوازه في الهبة من باب أولى لأن عقود التبرعات – كما سلف لنا – أوسع من عقود المعاوضات.
المسألة الخامسة : حكم الوعد والإلزام به :
فإن عقد الإجارة المنتهي بالتمليك مبني على وعد وهو التمليك .
فهل يجب الوفاء بالوعد أو لا يجب الوفاء به ؟
العلماء رحمهم الله لهم في ذلك خمسة أقوال لكن نذكر ثلاثة منها :
1 – جمهور أهل العلم : أن الوفاء بالوعد غير واجب .
الدليل : قالوا : لم يرو عن أحد من السلف الإلزام به ، فابن بطال وغيره يقولون: عموم السلف لا يقولون بلزوم الوفاء به .
2 – طائفة من السلف وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم : أنه يجب الوفاء بالوعد ولا يجوز إخلافه .
وقال به إسحاق بن راهويه وعمر بن عبدالعزيز وابن شبرمة من الحنابلة .
الدليل :
أ – قول الله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ".
ب – قول الله عز وجل : " والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " .
جـ - قول الله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ".
د – حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : ( آية المنافق ثلاث) ،
وذكر منها : ( وإذا وعد أخلف). وهذا يدل على تحريم إخلاف الوعد .
3 – قول عند المالكية : أنه يجب الوفاء به إذا أدخل الموعود في ورطة وأما إذا لم يدخل الموعود في ورطة فإنه لا يجب على الواعد الوفاء به .
الدليل : يستدلون بقاعدة : لا ضرر ولا ضرار .
الترجيح :
الأقرب في هذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم من أنه يجب الوفاء بالوعد.
فضيلة الشيخ خالد المشيقح حفظه الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهذا بحث في مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك والتي كثر تعامل الناس بها في هذا الزمن.
فنقول: التأجير المنتهي بالتمليك أو الإجارة المنتهية بالتمليك هذا المصطلح ، اصطلاح معاصر لم يكن عند الفقهاء السابقين .
تعريفه :
هذا المصطلح مركب من كلمتين :
أ – التأجير أو الإجارة . ب – التمليك .
وسنعرف هاتين الكلمتين ثم نقوم بتعريف هذا العقد مركباً .
أولاً : التأجير في اللغة : مشتق من الأجر ، وهو الجزاء على العمل ويطلق أيضاً على الثواب .
والإجارة : اسم للأجرة ، وهي ما يعطى من الأجر على العمل .
وأما الإجارة في اصطلاح العلماء : هي عقد على منفعة معلومة مباحة من عين معينة أو موصوفة في الذمة أو على عمل معلوم بعوض معلوم مدة معلومة .
فتلخص لنا أن الإجارة تنقسم إلى قسمين :
1 – إجارة أعيان . 2 – إجارة أعمال .
ثانياً : التمليك ، وهو في اللغة : جعل الغير مالكاً للشيء .
وأما في الاصطلاح فإنه لا يخرج عن المعنى اللغوي .
والتمليك قد يكون تمليكاً للعين ، وقد يكون تمليكاً للمنفعة ، وقد يكون بعوض ، وقد يكون بغير عوض .
فإذا كان تمليكاً للعين بعوض فهذا بيع .
وإذا كان تمليكاً للمنفعة بعوض فهذه هي الإجارة .
وإذا كان تمليكاً للعين بلا عوض فهذه هي الهبة .
وإذا كان تمليكاً للمنفعة بلا عوض فهذه عارية .
ثالثاً : تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك على أنها مركبة من كلمتين : هي تمليك منفعة من عين معلومة مدة معلومة ، يتبعه تمليك العين على صفة مخصوصة بعوض معلوم .
فقولهم : تمليك منفعة ، هذا هو الإجارة .
وقولهم : يتبعه تمليك العين ، هذا هو البيع .
فهي إجارة منتهية بالتمليك .
نشأة عقد الإجارة المنتهية بالتمليك:
هذا العقد وجد أول ما وجد عام 1846 م في إنجلترا ، وأول من تعامل بهذا العقد ، أحد تجار الآلات الموسيقية في إنجلترا ، فكان يؤجر آلاته الموسيقية إجارة يتبعها تمليك العين ، وقصد من ذلك ضمان حقه .
ثم بعد ذلك انتشر مثل هذا العقد وانتقل من الأفراد إلى المصانع ، وكان أول هذه المصانع تطبيقاً لهذا العقد مصنع سنجر لآلات الخياطة في إنجلترا .
ثم بعد ذلك تطور ، وانتشر بصفة خاصة في شركات السكك الحديدية ، التي تشتري المركبات ، وتؤجرها لمناجم الفحم تأجيراً ينتهي بالتمليك .
ثم بعد ذلك انتشر هذا العقد ، وانتقل إلى بقية دول العالم ، فانتقل إلى الولايات المتحدة عام 1953م .
ثم بعد ذلك انتقل إلى فرنسا عام 1962م .
ثم بعد ذلك انتقل إلى البلاد العربية والإسلامية عام 1397 هـ .
بعض المسائل الفقهية التي يبنى عليها هذا العقد :
قبل الدخول في عقد الإجارة المنتهية بالتمليك لابد من بحث بعض المسائل الفقهية التي يبنى عليها هذا العقد .
فإن الذين منعوا هذا العقد كما سيأتينا في أقسام هذا العقد مطلقاً قالوا :
بأنه اشتراط عقد في عقد ، وهذا لا يجوز عند جمهور أهل العلم .
وقالوا أيضاً : يتضمن تعليق عقد البيع على شرط مستقبل ، وهذا لا يجوز .
وقالوا أيضاً : تعليق الهبة ، وهذا لا يجوز .
وقالوا : هذا مبني على الوعد والالزام به ، والوعد غير لازم عند الجمهور .
فمثل هذه المسائل سنشير إلى كلام العلماء فيها عن طريق الإجمال ، لأنه كما أسلفت هذا العقد – عقد الإجارة المنتهي بالتمليك – يبنى على هذه المسائل ، فإذا عرفنا الحكم في هذه المسائل يتبين لنا الإجابة عن قول من منع مثل هذا العقد مطلقاً بكل أقسامه وصوره .
وسوف يأتينا أن هذا العقد له ثلاثة أقسام :
1 – قسم محرم .
2 – قسم جائز .
3 – قسم ضبطه العلماء بضوابط .
الذين منعوا هذه الأقسام كلها ، ومنعوا صور الإجارة المنتهية بالتمليك كلها تمسكوا بالمسائل الفقهية التي ذكرت ... ونحن سنتعرض لهذه المسائل بإجمال ، قبل أن نذكر أقسام الإجارة المنتهية بالتمليك .
المسألة الأولى : شرط المنفعة :
تقدم لنا في الضوابط أن الأصل في الشروط في عقد البيع الصحة ، ودليل ذلك قول الله عز وجل : ]
يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [ ،
والإيفاء بالعقد يتضمن الإيفاء بأصله ووصفه ، ومن وصفه الشرط فيه ، وأيضاً حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلمون على شروطهم ) .
تعريف الشرط في البيع :
الشرط في عقد البيع هو ما يشترطه أحد المتعاقدين مما له فيه مصلحة .
محله : تقدم أن ذكر أن محل هذه الشروط يصح أن تكون قبل العقد ، ويصح أن تكون في صلب العقد، ويصح أن تكون في زمن الخيارين ، زمن خيار الشرط ، وزمن خيار المجلس.
أقسام الشروط في العقد :
الشروط في البيع تنقسم إلى أربعة أقسام :
الأول : شرط يقتضيه العقد ، فهذا صحيح بالاتفاق ، ولهذا العلماء لا يذكرونه في المختصرات ، وإنما يذكرونه في المطولات ، وذكر مثل هذا الشرط إنما هو من قبيل البيان والتوكيد .
مثاله : اشتراط أن يكون الثمن حالاً ،
فلو قال البائع : أنا أبيع عليك البيت لكن بشرط أن يكون الثمن حالاً ، فهذا الشرط لا حاجة له لأن العقد يقتضي أن يكون الثمن حالاً ، وليس مؤجلاً ، إذا أراد أن يؤجل فله أن يشترط عدم التأجيل .
أيضاً لو قال المشتري : أشتري منك السيارة بشرط أن أقبضها الآن ، هذا أيضاً شرط يقتضيه العقد ، فالأصل أن البائع يقبض السلعة الآن ، فإذا أراد أن يؤخر فله أن يشترط .
الثاني : شرط مصلحة ، سواء كانت هذه المصلحة راجعة للعقد أو راجعة على أحد المتعاقدين ، فهذا الشرط أيضاً صحيح باتفاق الأئمة .
مثل : شرط الرهن أو الضمين أو الكفيل ، فهذه شروط صحيحة ،
وكما لو قال المشتري : اشترط أن يكون الثمن مؤجلاً ، فقال البائع : أشترط أن تعطيني رهناً.
الثالث : شرط وصف في المبيع أو في الثمن ، أيضاً هذا صحيح باتفاق الأئمة ، فلو قال :
أنا أشتري السيارة لكن بشرط أن تكون سرعتها كذا وكذا ، وأن تكون إطاراتها كذا وكذا ، وان تكون قوة المكينة كذا وكذا ... الخ ، فهذا شرط ، وصف جائز حتى ولو اشترط المشتري مئة شرط ، هذه كلها شروط صحيحة ، والأئمة يتفقون على ذلك .
الرابع : شرط المنفعة ، وهذا هو الذي اختلف فيه العلماء ،
مثاله : أن يقول : أبيعك السيارة بشرط أن أستعملها لمدة يوم أو يومين ، أو تكون المنفعة في البائع ، قال : أشتري منك السيارة بشرط ، أن تغسلها أو تصلح الخلل الموجود فيها ...
حكمه :
اختلف فيه العلماء :
1 – أضيق المذاهب فيه مذهب الشافعية ، لا يجوزون أي شرط .
2 – الحنابلة لا يجيزون إلا شرطاً واحداً ، يعني يصح أن تشترط شرطاً واحداً ، سواء كان هذا الشرط في المبيع أو في البائع ، ولا يجوز أن تجمع شرطين .
دليلهم : لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ) ،
فقالوا : تجمع شرطين من شروط المنافع لا يجوز .
3 – المالكية قالوا : يجوز الشرط اليسير ، وإذا كان كثيراً لا يجوز .
4 – الحنفية : إذا جرى تعامل الناس به جاز ، وإذا لم يجر لا يجوز .
5 – وأوسع الناس في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، وهو رواية عند الحنابلة :
أنه تجوز شروط المنفعة ، وإن كثرت شرطين ثلاثة أربعة ...
الترجيح :
هذا القول هو الصواب لما ذكرنا من الضابط أن الأصل في الشروط في البيع الحل ، فإذا قال :
أشتري منك السيارة بشرط أنك تصلحها ، وتغسلها وتقوم بفحصها ... الخ ،
قالوا : هذا جائز ولا بأس به لما تقدم من الضابط وقد ذكرنا الدليل عليه ، وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط عليه حملان ظهر الجمل الذي باعه عليه إلى المدينة .
فالصحيح أن الشروط في البيع كلها جائزة .
المسألة الثانية : اشتراط عقد في عقد :
ولابد أن نفهم مسألتين ،
الأولى : مسألة اشتراط عقد في عقد .
والثاني : جمع عقدين في صفقة واحدة ، فتجمع عقدين هذه لا بأس بها ، يعني تقول مثلاً : بعتك السيارة ، وأجرتك البيت بمائة ألف ريال ، الآن جمعت بين البيع والتجارة بثمن واحد ، هذا جائز يجوزه الحنابلة والمالكية .
لكن هذا ليس منه التأجير المنتهي بالتمليك كما سيأتي .
التأجير المنتهي بالتمليك ؛ توارد عقدين على عين واحدة ، هنا ورد عقدان على عينين . لكن جمعت بينهما في صفقة واحدة بثمن واحد. لكن في الإجارة المنتهية بالتمليك التي منعها مجمع الفقه الإسلامي وهيئة كبار العلماء بالمملكة هو توارد عقدين على عين واحدة؛ عقد البيع وعقد الإجارة .
وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك كيف ورد عقد البيع؟
وكيف ورد عقد الإجارة؟ فأصبحت هذه المعاملة لا تجوز.
فجمع عقدين في صفقة واحدة هذا جائز ولا بأس به وإذا أردنا التفريق بينهما نقسط الثمن.
لكن اشتراط عقد في عقد ؛ المذهب أن هذا ممنوع .
مثاله : أن تقول : بعتك البيت بشرط أن تؤجرني سيارتك أو أجرتك السيارة بشرط أن تبيعني بيتك.
حكمه : كما أن الحنابلة يمنعونه أيضاً هو قول أكثر أهل العلم وأنه لا يصح .
الدليل :
1 – قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع).
2 – وقالوا أيضاً : إن هذا هو بيعتان في بيعة الذي نهى عنه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم .
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهو اختيار السعدي وقول عند المالكية وعند الحنابلة :
أن هذا جائز ولا بأس به إلا إذا تضمن محظوراً شرعياً.
تضمن محظوراً شرعياً كما لو قال: أقرضتك بشرط أن تبيع لي . فهذا كما تقدم أنه داخل في منافع القروض المحرمة أن يشترط الدائن على المدين منفعة لا يقابلها سوى القرض. وأيضاً قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم :
( لا يحل سلف وبيع) فهذا شرط عقد في عقد تضمن محظوراً شرعياً فلا يجوز ، وهو أيضاً إخراج القرض عن موضوعه ، فإن المراد بالقرض؛ الإرفاق ووجه الله عز وجل إلى الكسب والتجارة.
وأيضاً كما لو قال : بعتك بشرط أن تزوجني ، فنظير هذا النهي عن الشغار وهو أن يقول:
زوجتك بشرط أن تزوجني أو تزوج ابني. لأن الإنسان إذا قال: زوجتك بشرط أن تبيعني فإنه لا ينظر إلى مصلحة موليته وإنما ينظر لمصلحته هو، فمن باعه أو حابه زوجه.
الترجيح :
هذا القول هو الصواب وأن اشتراط عقد في عقد جائز ولا بأس به مالم يتضمن محظوراً شرعياً .
ونستدل على هذا بما ذكر من الضوابط السابقة : أن الأصل في المعاملات والشروط فيها الحل.
وأما الشرطان اللذان نهى عنهما النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أو البيعتان في بيعة فهذا ابن القيم وشيخ الإسلام يحملانه على بيع العينة . فإن بيع العينة تضمن بيع مؤجل وبيع حاضر. وتضمن أيضاً الشرطين ؛ شرط التأجيل وشرط الحلول .
المسألة الثالثة : تعليق عقد البيع على شرط مستقبل .
مثالها : أن يقول : بعتك السيارة إذا دخل شهر رمضان ونحو ذلك .
حكمه : فيه خلاف على قولين :
أ – الجمهور : على أنه غير جائز .
التعليل : قالوا : هذا يخالف مقتضى العقد إذ إن مقتضى العقد الفورية وألا يكون معلقاً .
ب - شيخ الإسلام : يصح تعليق عقد البيع على شرط مستقبل .
الدليل : 1 – قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في سرية مؤتة :
( أميركم زيد فإن أصيب فجعفر فإن أصيب فعبد الله بن رواحة )
فالنبي صلى الله عليه وسلم علق عقد الولاية .
2 – أن الأصل في الشروط في العقود الصحة .
الترجيح :
تلخص أن تعليق عقد البيع على شرط مستقبل جائز ولا بأس به.
المسألة الرابعة : تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل :
الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السابقة .
أ – فالجمهور على أنه يمنع من ذلك .
فالحنفية والشافعية والحنابلة يمنعون من ذلك
مثال ذلك : لو قال : وهبتك السيارة إذا دخل شهر رمضان .
وتقدم أنهم يقولون : الأصل في العقود أن تكون منجزة .
ب – قول المالكية وقال به الحارثي من الحنابلة وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم: أن هذا جائز ولا بأس به .
وإذا جاز ذلك في عقد البيع فجوازه في الهبة من باب أولى لأن عقود التبرعات – كما سلف لنا – أوسع من عقود المعاوضات.
المسألة الخامسة : حكم الوعد والإلزام به :
فإن عقد الإجارة المنتهي بالتمليك مبني على وعد وهو التمليك .
فهل يجب الوفاء بالوعد أو لا يجب الوفاء به ؟
العلماء رحمهم الله لهم في ذلك خمسة أقوال لكن نذكر ثلاثة منها :
1 – جمهور أهل العلم : أن الوفاء بالوعد غير واجب .
الدليل : قالوا : لم يرو عن أحد من السلف الإلزام به ، فابن بطال وغيره يقولون: عموم السلف لا يقولون بلزوم الوفاء به .
2 – طائفة من السلف وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم : أنه يجب الوفاء بالوعد ولا يجوز إخلافه .
وقال به إسحاق بن راهويه وعمر بن عبدالعزيز وابن شبرمة من الحنابلة .
الدليل :
أ – قول الله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ".
ب – قول الله عز وجل : " والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " .
جـ - قول الله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ".
د – حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : ( آية المنافق ثلاث) ،
وذكر منها : ( وإذا وعد أخلف). وهذا يدل على تحريم إخلاف الوعد .
3 – قول عند المالكية : أنه يجب الوفاء به إذا أدخل الموعود في ورطة وأما إذا لم يدخل الموعود في ورطة فإنه لا يجب على الواعد الوفاء به .
الدليل : يستدلون بقاعدة : لا ضرر ولا ضرار .
الترجيح :
الأقرب في هذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم من أنه يجب الوفاء بالوعد.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى